كتبت:اية سليم
خلال مظاهرات 30 يونيو/حزيران من العام الماضي المعارضة للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي والتي انتهت بعزله، رفع مؤيدو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع آنذاك) صوره إلى جوار صور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، رمز ثورة 23 يوليو/تموز 1952، التي تحتفل مصر اليوم الخميس بذكراها الثانية والستين.
ومن أبرز أوجه الشبه التي يراها مؤيدو السيسي بينه وبين عبد الناصر أن كلاهما وجه ضربات قوية لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي الثالث من يوليو/تموز من العام الماضي، عزل الجيش المصري بقيادة السيسي، الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين ، بدعوى فشله في إدارة شؤون البلاد.
اليوم، ورغم صدور قرارات اقتصادية من الرئيس المصري، توقع كثيرون أن يكون لها تأثير واسع بالغ الضرر على الفقراء، بالمخالفة لسياسات عبد الناصر التي كانت تضع الفقراء نصب عينيها، لا تزل بعض الآذان تستسيغ نغمة التشابه بين الاثنين التي يرددها بعض مؤيدي السيسي في الذكرى الـ 62 للثورة، انطلاقا من القاسم المشترك بين الرجلين وهو بغض الإخوان.
وثورة 23 يوليو/تموز 1952، قام بها تنظيم “الضباط الأحرار” الذي ضم ضباط بالجيش للإطاحة بنظام الحكم الملكي، وأجبروا الملك فاروق الأول على التنازل عن العرش لولي عهده أحمد فؤاد الثاني الذي كان رضيعا وقتها، قبل أن تلغى الملكية وتعلن مصر جمهورية في عام 1953 برئاسة اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة.
وعرفت ثورة يوليو في البداية باسم “الحركة المباركة” ثم أطلق عليها فيما بعد لفظ “ثورة”، وشارك تنظيم جماعة الإخوان المسلمين بها من خلال أحد مؤسسي الضباط الأحرار وهو عبد المنعم عبد الرؤوف.
وفي الأيام الأولى لثورة يوليو أصدر مجلس قيادتها قراراً بحل جميع الأحزاب مستثنياً جماعة “الإخوان المسلمين” لاعتبارها “جمعية دينية دعوية”، كما أعاد فتح التحقيق في مقتل مؤسس الحركة حسن البنا (قتل عام 1949)، فقبض على المتهمين باغتياله وأصدر أحكاماً قاسية بحقهم، وعفا عن معتقلين من الإخوان.
غير أن العلاقة الجيدة بين الجانبين لم تدم طويلاً، إذ أنه بعد مرور أشهر قليلة على الثورة، رفض جمال عبد الناصر الذي تولى قيادة مجلس الثورة ثم رئاسة البلاد خلفا لمحمد نجيب، بعض طلباتهم، ليبدأ الصدام بين الجانبين، الذي بلغ أشده في 26 أكتوبر/تشرين الأول 1954 ، عندما اتهم عبد الناصر الإخوان بمحاولة اغتياله اثناء إلقائه خطابا جماهيريا في مدينة الإسكندرية الساحلية، شمالي مصر، وهي الواقعة المعروفة بـ”حادث المنشية”، وهو الأمر الذي نفت الجماعة مسؤوليتها عنه.
وبعد حادث المنشية تعرض أعضاء جماعة الإخوان لحملة اعتقالات طالت الآلاف منهم كما أصدر عبد الناصر قرارا بحل الجماعة.
ومن هذا الصدام جاءت المقاربة بين عبد الناصر والسيسي، حيث خاض الأخير ظروفا مشابهة عندما وقع في صدام مع الإخوان، بعد عام من اختياره وزيرا للدفاع في بداية الفترة الرئاسية للرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي.
وبعد عزل مرسي، أصدر القضاء المصري في شهر سبتمبر/أيلول الماضي حكما بحظر أنشطة الجماعة في مصر، كما اعتبرت الحكومة المصرية “الإخوان المسلمين” جماعة إرهابية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
المخرج خالد يوسف واحد من الذين يعزفون دوما نغمة المقاربة بين عبد الناصر والسيسي، قال في لقاء مع فضائية “إم بي سي مصر” السعودية الخاصة في 4 يونيو/حزيران الماضي إنَّ “الرئيس المنتخب، المشير عبد الفتاح السيسي، يحظى بفرصة لم تتح إلا للرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، التي تتمثل في التأييد الشعبي الواسع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بعدما أنقذ مصر من خطر الإخوان “.
وفي 8 يونيو/حزيران الماضي أدى السيسي اليمين الدستورية رئيسا لمصر بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في شهر مايو/أيار الماضي بنسبة 96.91 %.
وانطلاقا من نفس القاسم المشترك، رأت هدى عبد الناصر نجلة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في السيسي “عبد الناصر 2014”.
وقالت هدى، وهي استاذة للعلوم السياسية بجامعة القاهرة في لقاء بفضائية “صدى البلد” المصرية الخاصة يوم 16 مايو/آيار الماضي: “المشير (آخر رتبة عسكرية تقلدها السيسي قبل استقالته من الجيش) يتمتع بحب شعبي جارف مثل عبد الناصر بعد أن اشترك الاثنان في تخليص مصر من الإخوان “.
وروجت صحيفة “الوفد” الناطقة بلسان حزب الوفد (ليبرالي) لهذه المقاربة أيضا، انطلاقا من صدور حكم قضائي في سبتمبر/أيلول الماضي، بحظر جماعة الإخوان المسلمين والتحفظ على أموال قادتها.
وقالت الصحيفة في تقرير نشرته في الشهر ذاته: ” كما أصدر القضاء ابان حكم عبد الناصر عام 1954، حكما قضائيا بحل جماعة الاخوان وحظر نشاطها، وبدأت ملاحقة التنظيم قضائيا، أصدر القضاء المصري (يوم 23 سبتمبر/أيلول الماضي) حكماً قضائياً بحظر نشاط الجماعة والتحفظ على أموال عدد كبير من قادتها “.
وبينما تعزف وسائل الإعلام في تناغم واضح نغمة الربط بين السيسي وعبد الناصر، ظهرت أصوات خافتة عزفت بمفردها مستنكرة هذا الربط، وانطلقت من الفارق الشاسع في الايدلوجية بين الرئيسين.
وقالت الكاتبة رباب المهدي في مقال لها بجريدة الشروق المصرية الخاصة يوم 26 فبراير / شباط الماضي إن “شعبية عبدالناصر قامت على ما يسمى التنمية المستقلة وتوزيع الثروة عن طريق الإصلاح الزراعى والتأميم ، بينما رؤية المشير السيسي قامت كما جاءت في حواره لجريدة السياسة الكويتية على تسويق مصر لجذب مزيد من أموال الخليج”.
وطرح نفس الرؤية الكاتب صلاح منتصر في مقاله بجريدة “المصري اليوم” المصرية الخاصة يوم 15 فبراير/شباط الماضي قائلا إن “ظروف الزمان الذى عاشه عبد الناصر ليصبح زعيما لم يعد موجودا اليوم. ولمن لا يصدق، عليه النظر إلى خريطة دول العالم، ويشير إلى زعيم واحد له شهرة وقامة الزعامات قبل 50 سنة”.
واقترح الكاتب بديلا لعبد الناصر وهو مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، والذي نجح في صناعة نهضة في ماليزيا، وقال ” نريد السيسى مهاتير لا السيسى عبد الناصر”.
ما كتبه منتصر والمهدي كان قبل تولي السيسي مسئولية الحكم، لكنه وبعد أن تولى المسئولية تبنى قرارات اقتصادية صعبة تمثلت في خفض الدعم على الطاقة، ورفع أسعار الخدمات الموجهة للمواطنين مثل الكهرباء، وهي الإجراءات التي جاءت لمواجهة عجز الموازنة، غير أنها تعكس سياسة مختلفة تماما عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي كان يحرص في قرارته على مراعاه البعد الاجتماعي.
وعلى ذلك تبدو الرؤية التي طرحها الكاتبان الأكثر واقعية، لاسيما رؤية منتصر، والتي قال فيها إن ظروف الزمان الذي عاشه عبد الناصر مختلفة عن السيسي، وهو ما دفع الأخير لإصدار قرارات اقتصادية صعبة، غير أن الراغبين في الربط بين الرئيسين لن يجدوا من سبيل لإثبات رؤيتهم إلا بغض الاثنين لجماعة الإخوان المسلمين، متناسين أن مبادىء ثورة يوليو التي تمسك بها عبد الناصر، لا تدخل ضمن اهتمامات السيسي، ربما لأنها لم تعد ملائمة للوقت الراهن.
وقامت ثورة يوليو على عدة مبادىء هي العدالة الاجتماعية، القضاء على الاقطاع و الاستعمار وسيطرة رأس المال، إقامة عدالة اجتماعية، إقامة جيش وطني.