رد الله عليه بصره صغيرا ليُنير درب أمةً من المسلمين و هو كبيرا إنه الإمام البخاري يُعد الإمام البخاري من كبار الحفاظ الفقهاء من أهم علماء الحديث وعلوم الرجال، له مصنفات كثيرة من أشهرها كتاب الجامع الصحيح، المشهور بإسم صحيح البخاري، ويعد من أوثق الكتب السته الصحاح .
نسبهُ : هو الإمام المقدام، أبو عبدالله، محمد بن إسماعيل، بن إبراهيم، بن المغيرة، بن بردزيهْ البخاري.
كان جدهُ ” بردزيهْ ” فارسياً على دين قومهُ ومات على المجوسية. ولكن أسلم إبنهُ المغيرهُ على يد اليمان الجعفي.
مولدهُ ونشأتهُ : إتفق المؤرخين في الرأي على أن الإمام البخاري ولد بعد صلاة الجمعة، لثلاث عشرة ليلة من شوال، فى السنه الرابعه و التسعين بعد المئه من الهجرة الموافق 810 م، ببلدة بخاري وإليها نُسب، وهي إحدى مدن أوزبكستان الحالية.
_قامت أمهُ بتربيتهُ وأحسنت تربيتهُ لأن والده قد مات وهو في الصغر فقامت بتكلفتهُ، وكانت لها دور كبير في حبهُ للعلم والسعي إليه، وقد ترك أبوه مال أعان والدتهُ على تربيتهُ ونشأتهُ نشأة صالحة راقية.
وكان إمامنا الجليل محفوظ بحفظ من الله منذُ صغرهُ، فقد ذُكر أن الإمام البخاري ذهبت عيناه في صغرهُ، فقرأت والدتهُ ‘ الخليل إبراهيم عليه السلام ‘ في المنام.
فقال لها : ( يا هذا، قد ردَّ الله على إبنك بصرهُ بكثرة دعائك ).
فأصبح فعلاً، ورد الله عليه بصرهُ، فتبدل حزنها فرحاً.
نباهتهُ ونبوغهُ منذُ الصغر :
قد ظهر نبوغه مبكراً في صغرهُ في الكُتاب فأنعم الله عليه بقلب واعياً، وذاكرة قوية، وألهمهُ بحفظ الحديث، فأخذ منه بحظ كبير وحفظ آلاف الأحاديث ، وحفظ القرآن الكريم وتلقى العلوم الأساسية وهو لايزال صغيراً.
وأخذ يختلف إلى علماء عصرهُ وأئمة بلدهُ فأخذ عنهم وبدأ يراجعهم ويناقشهم، هذا كان عند بلوغهُ العاشرة من عُمرهُ.
_ وما إن بلغ السادسة عشر حتى حفظ كتب عدد من الأئمة وعرف أهل الرأي وأصولهم ومذهبهم.
رحلتهُ العلمية :
عندما أتم البخاري سن السادسة عشر كان في بلدهُ، ومن بعدها بدأت رحلتهُ الطويله في طلب العلم، سافر البخاري إلى مكة لزيارة بيت الله الحرام وكان بصحبة أمهُ وأخيه أحمد، بعد الإنتهاء من الحج أقام هو بمكة لطلب العلم ورجع أخوه إلى بخاري، كانت مكة في هذا الوقت من أهم المراكز العلميه في الحجاز، وكان يذهب إلى المدينة حيناً بعد حين.
وألف بعض مؤلفاته في الحرمين الشرفين ووضع أساس الجامع الصحيح وتراجمهُ.
قصة تأليف كتاب صحيح البخاري :
_يعد الجامع الصحيح أو صحيح بخاري أول الكتب التي صنفت في الحديث الصحيح وإستغرقت 16 عاماً
ويذكر الإمام البخاري كيف أُلهم بكتابة كتاب الجامع الصحيح
قال: كنتُ عند إسحاق بن راهوية، فقال : لو جمعتم كتاب مختصراً لصحيح سنة “رسول الله صلى الله عليه وسلم “فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح.
_ إرتحل الإمام البخاري لطلب الحديث إلى أماكن وبلاد شتى.
حيث قال بنفسهُ : دخلت إلى الشام ومصر والحجاز مرتين وإلى البصره أربع مرات، وأقمت بالحجاز سته أعوام! ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفه وبغداد مع المحدثين.
وقال الخطيب : رحل البخاري إلى محدثي الأمطار، وكتب بخرسان والجبال ومدن العراق كلها، والحجاز والشام ومصر، وورد بغداد دفعات.
وقال أيضاً حافظ :إرتحل بعد أن رجع من مكة إلى سائر مشايخ في البلدان التي أمكنتهُ الرحله إليها، وذكر الذهبي فيها بلخ، ونيسابور، والري، وبغداد، والبصره، والكوفة، والمدينة، وواسط، ودمشق، وعسقلان، وحمص، وغيرها.
شيوخهُ : تعلم البخاري على يد مشايخ عديدة، فكان كلما ذهب إلى بلد كان يتلقى من مشايخها الكثير.
ومن كثرة مشايخهُ حاصرهم الحافظ في خمس طبقات : الأولى من حدثهُ عن التابعين يعني ” أتباع التابعين”.
الثانية_ من كان في عصر هؤلاء، لكن لم يسمع من ثقات التابعين.
الثالثةوهي الطبقة الوسطى من مشايخهُ، وهم من لم يلق التابعين بل أخذ من كبار تبع الأتباع. الرابعة رفقاؤه في الطلب، ومن سمع قبلهُ قليلاً، ويخرج من هؤلاء ما فاتهُ عن مشايخهُ أو مالم يحده عند غيرهم.
الخامسه_ قوم في عداد طلبته في السن والإسناد، سمع منهم للفائدة وروى عنهم أشياء يسيرة .
وروى ايضاً بعض أسماء شيوخهُ ومنهم : ” على بن المديني ” ويعد من أكثر المشايخ الذين أثروا في تكوينه العلمي ومنهجه الحديثي، وقال فيه ” ما إستصغرت نفسي، عند أحد إلا عند بن المديني”.
ومن شيوخهُ أيضاً.. الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، والفضل بن دكين.
هذا بعض من شيوخهُ الكثيرة التي لا تعد.
وذكر إن عدد شيوخهُ الذين خرج عنهم في الصحيح 289 شيخاً.
تلاميذهُ : تتلمذ على يد البخاري، وإستفاد وأخذ الحديث منهُ أُناسٌ كثيرة، وعدد كبير من طلاب العلم والرواه والمحدثين.
قال الفربري : سمع كتاب البخاري منه سبعون ألف رجل من أعيانهم ” الترمذي، والنسائي، ومسلم بن الحجاج، وابن خزيمة، وأبو زرعة الرازي، وأبو حاتم الرازي، وغيرهم.
وذُكر أيضاً أن عدد من سمع منهُ بلغ تسعين ألفاً.
_ولم يقتصر الإنتفاع من البخاري على التلاميذ بل شملت شيوخهُ، قال البخاري ” ما قدمت على أحد إلا كان إنتفاعهُ بي أكثر من إنتفاعي به”.
مذهبهُ الفقهي : إختلف أهل العلم في مسالك أئمة الحديث، فبعضهم عدوه من المجتهدين، وآخرون من المقلدين .
ولكن من المعروف أن الإمام البخاري شافعي المذهب.
صفاتهُ : كان البخاري نحيف الجسم، ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان زاهداً في الدنيا ورث عن أبيه مالاً كثيراً، فكان يتصدق به، وكان قليل الأكل.
وكان ذا خُلق عظيم حيث قال : ما إغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة حرام!
وكان يقول أيضاً : إني لأرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني أغتبت أحداً.
وكان شغوفاً بقراءة القرآن حيث قيل أنه كان أول ليلة من رمضان يجتمع إليه أصحابهُ، فيصلي بهم، ويقرأ في كل ركعة عشرين آية، وهكذا إلى أن يختم القرآن، وكان يختم بالنهار كل يوم ختمة.
قال الدارمي : ” إذا قرأ محمد بن إسماعيل القرآن شغل قلبه وبصره وسمعهُ، وتفكر في أمثالهُ، وعرف حلالهُ من حرامهُ”.
_ ولم يكن الإمام البخاري شاعراً ولكنه كان أحياناً ينظم أبيات و منها :
إغتنم في الفراغ ركوع .. فعسى أن يكون موتك بغته
كم صحيح رأيت من غير سقيم .. ذهبت نفسه الصحية فلته.
_ وكان من الذين كتب الله لهم الهداية والصلاح في الدنيا، حيث قال النجم الفضيل : رأيت النبي (ص) إذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على خطوة النبي (ص) ويتبع أثره.
البخاري و مسألة خلق القرآن :
هذه المسألة سببت فتنه عظيمة وأشعلت نار يصعب إطفائها بين أهل السنه والمعتزلة، ولكن يشاء الله أن يطفأ نار هذه الفتنه بجهود الإمام أحمد بن حنبل.
وفي تللك الازمه مر الأئمة الكبار بأشد إمتحان ومنهم من قتل ومنهم من سُجن ومنهم من مات في السجن، ومنهم من صبر، كل هذا من أجل رفضهم بقول خلق القرآن وظلت هذه الفتنه نحو خمس عشرة سنه.
وقد مست هذه الفتنه طرف من الإمام البخاري، حيثُ حسده بعض الحاسدين، حيث قال محمد بن يعقوب الأخرم : ذكر لي جماعة من المشايخ أن البخاري لما ورد نيسابور إستقبلهُ أربعة آلاف رجل ركبان على الخيل، سوى من ركب، بغلاً أو حماراً وسوى الرجالة.
وإلتف الناس وطلاب العلم والمحدثين الأخرين مما كان سبباً في إلقاء الغيره والحسد في نفوس، البعض عليه.
_فأرادوا صرف الناس عنه فإتهموا بمسألة خلق القرآن.
قال الحافظ : وقد صح عن البخاري أنه قال : كل من نقل عني أني قلت : ” لفظي بالقرآن مخلوق ” فقد كذب علي، وإنما قُلت ” أفعالنا مخلوقة “.
خروج البخاري من نيسابور :
خرج البخاري من نيسابور عائداً إلى بلده بخاري بعداً عن المفاسد و براءة من الفتنة، فتلقاه اهلها في حفاوة كريمة، فنصبت له القباب في البلد واستقبله عامة اهلها، وألقى عليه الدراهم والدنانير في قدومه، وظل في مسجده يحدثهم.
وفاتهُ : توفى ليلة عيد الفطر الموافق السبت الأول من شوال عام 256 هـ عند صلاة العشاء وصلى عليه يوم العيد بعد الظهر ومات عن عمر 62 سنه وله ضريح مشهور قي سمرقند.
وذُكر أن عندما وضعوه في قبره فاح من تراب قبره رائحة كالمسك ودامت أياماً فجعلت الناس يختلفون إلى قبره يأخذون من ترابه إلى أن وضعوا عليه خشباً مشبكاً.