ينتظر القطاع السكني في المغرب انتعاشة قوية مع بداية العام المقبل 2024 في ظل برنامج دعم المواطنين محدودي ومتوسط الدخل الراغبين في اقتناء السكن، والذي تم الكشف عن تفاصيله أخيراً.
وبخلاف الأهداف الاجتماعية المعروفة التي يستهدفها البرنامج الجديد، فإن ثمة أهدافاً اقتصادية واسعة، لا سيما لجهة دعم القطاع السكني الذي عانى بشكل كبير منذ جائحة كورونا وحتى الآن، وفي ظل ارتفاع الأسعار بشكل مطرد، وبما قاد إلى فجوة واسعة مع زيادة الطلب.
تفاصيل البرنامج
وبحسب البيانات التي أعلنتها وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة المغربية، فاطمة الزهراء المنصوري، فإن البرنامج الذي يأتي إعمالاً بتوجيهات العاهل المغربي، الملك محمد السادس، تأتي تفاصيله على النحو التالي:
قيمة الدعم: يصل إجمالي الدعم إلى 100 ألف درهم (الدولار يعادل 10.29 درهم) للسكن الذي تقل قيمته عن 300 ألف درهم، و70 ألف درهم للسكن الذي تتراوح قيمته من 300 إلى 700 ألف درهم.
مدة البرنامج : في الفترة من 2024 وحتى 2028.
الأهداف الرئيسية : تجديد المقاربة المتعلقة بالمساعدة على تملك السكن.. وتسهيل حصول منخفضي ومتوسطي الدخل على السكن، وبالتالي تقليص عجز السكن.
الفئات المستهدفة : المغاربة في الداخل والخارج (ممن لا يتوفرون على سكن بالبلاد ولم يستفيدوا من مساعدات السكن).
ومن الأهداف التي تصبو إليها تلك المبادرة أيضاً، طبقاً للوزيرة، دفع القطاع الإسكاني وتحفيز عمل القطاع الخاص، لا سيما فيما يتعلق بالمقاولات الصغيرة والمتوسطة، وبما يعزز من فرص العمل. ووفق الوزيرة المغربية، فقد تم إعداد مشروع مرسوم يحدد شروط وأشكال الدعم المباشر للأسر.
الأهداف الأساسية
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي المغربي، محمد جدري، في تصريحات خاصة إن الدعم الموجه للسكن في المملكة المغربية، والذي تم رصد 9.5 مليار درهم له (925 مليون دولار)، له ثلاثة أهداف أساسية، على النحو التالي:
الهدف الأول: الاستجابة للطلب المتزايد
يتمثل الهدف الأول في “الاستجابة للطلب الكبير من المواطنات والمواطنين على اقتناء سكن، خصوصاً من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، بحيث يتم دعم ذوي الدخل المحدود بعشرة آلاف دولار، وسبعة آلاف لذوي الدخل المتوسط، وتبقي تلك أرقاماً مهمة لاقتناء سكن في المغرب، لا سيما للمقبلين على الزواج”.
وبحسب التقديرات الحكومية، فإن البرنامج الجديد سوف يستفيد منه نحو 100 ألف مواطن مغربي (بالداخل أو الخارج) منذ بداية العام المقبل.
الهدف الثاني : تعزيز ودعم قطاع البناء
كما يتمثل الهدف الثاني، بحسب جدري، في “الاستجابة لقطاع البناء، الذي يعاني منذ أزمة جائحة كورونا، لا سيما وأنه خلال السنوات الثلاثة الماضية كان الطلب قليلاً على اقتناء السكن، في ضوء ارتفاع الأسعار، نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات ومجموعة المواد الأولية التي ارتفعت قيمتها بشكل كبير، بما يشمل مواد البناء المختلفة ، وبالتالي فإن هذا الدعم سوف يرفع من الطلب الداخلي، وبالتالي انتعاش القطاع العقاري والخروج من الأزمة”.
واستقر معدل التضخم في المغرب، عند 4.9 بالمئة في سبتمبر الماضي، على أساس سنوي، بحسب بيانات المندوبية السامية للتخطيط.
الهدف الثالث: زيادة فرص الشغل
أما الهدف الثالث، وفق الخبير الاقتصادي المغربي، فيتمثل في خلق مجموعة من فرص العمل، لا سيما وأنه سيكون هناك طلب على اليد العاملة بالقطاع، وبما يخلق حالة من الدينامية الاقتصادية.
ويختتم جدري حديثه “، بقوله: بشكل عام، هذا الدعم وإن كانت له أهداف اجتماعية واضحة، إلا أن هناك أهداف أخرى اقتصادية تبتغي خلق دينامية اقتصادية في القطاع العقاري والسكني في المملكة المغربية.
وقبيل أيام، ترأس العاهل المغربي جلسة عمل خاصة بقطاع الإسكان، استعرضت خلالها الوزيرة الخطوط العريضة للبرنامج الجديد للمساعدة في هذا المجال، بحسب ما ذكر بيان للديوان الملكي.
ووفق نص البيان المشار إليه فإنه “سيتم تشييد المنازل، موضوع برنامج المساعدة الجديد، في احترام تام لمخططات التهيئة الجاري بها العمل وفي ملاءمة مع المعايير التقنية والجودة”.
ومن أجل التمكن من تنزيل برنامج المساعدة على السكن ومواكبة عملية تجديد التخطيط العمراني والمجالي، سيتم إحداث 12 وكالة جهوية للتعمير والإسكان مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات المجال الحضري والعالم القروي على حد سواء، وفق نص البيان الرسمي.
عوائد اقتصادية واجتماعية
وفي تصريحات خاصة ، يتحدث الخبير الاقتصادي المغربي، عبد العزيز الرماني، عن عوائد ذلك البرنامج وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تداعياته على القطاع العقاري في البلاد، لا سيما بعد الزلزال العنيف الذي ضرب المغرب، ويقول:
هذا النوع من الدعم يختلف وبمقاربة جديدة عن المقاربات السابقة التي كانت تستهدف شرائح محددة في ظل نوعية سكن إما اجتماعي أو اقتصادي.
كان الدعم يقدم على شكل امتيازات وتخفيضات ضريبية لفائدة المنعشين (المطورين) العقاريين.
بينما الدعم الجديد يستهدف الأسر التي تريد أن تمتلك سكناً بشكل مباشر، وفي حدود قدراتها المالية.
يتيح ذلك للأسر الهشّة أو ذات الدخل المحدود الاستفادة بدعم تصل قيمته إلى نحو 10 آلاف دولار إذا كان السكن لا تتجاوز قيمته الـ 30 ألف دولا. بينما يكون الدعم بقيمة 7 آلاف دولار حال تجاوزت قيمة السكن من 30 إلى 70 ألف دولار.
ويوضح أن هذا البرنامج الممتد من العام المقبل 2024 وحتى العام 2028 يحقق عديداً من الأهداف؛ من بينها إنعاش عروض السكن، لا سيما وأن فئة كبيرة (سواء من محدودي الدخل او الطبقة المتوسطة) بحاجة إلى السكن، كما أن من شأنه إنعاش فرص التشغيل في القطاع السكني، وهو من القطاعات المهمة في مجالات التشغيل، وبالتالي يُنتظر أن تكون هناك فرص جديدة للشغل بداية من العام المقبل.
كذلك -بحسب الرماني- من شأن ذلك أن يسهم في تقليص العجز السكني، لا سيما وأن كل عام تنضم أسر جديدة كما أن ذلك يعطي فرصة جديدة بمقاربة جديدة وإمكانات جديدة تستهدف الفئات المعنية والتي تريد أن تستفيد بالحصول على السكن، بما في ذلك الفئات محدودة الدخل والمتوسطة وأيضاً الجالية المغربية في الخارج، ممن يريدون اقتناء سكن جديد في المغرب (ممن لا يتوفر لديهم سكن ولم يستفيدوا من دعومات سابقة خاصة بالسكن).
تحديات اقتصادية
ويواجه الاقتصاد المغربي عديداً من التحديات المتزامنة، والتي تفرضها تداعيات الأزمات الخارجية (ومن بينها الحرب في أوكرانيا وارتداداتها المختلفة) وكذلك الأزمات الداخلية (على غرار آثار الزلزال المدمر الذي تعرض إليه البلد، وكذلك معاناة المغرب مع أسوأ موجة جفاف وبما أثر بشكل واسع على القطاع الفلاحي في البلاد) بخلاف الآثار الممتدة لجائحة كورونا.
لكنّ نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فريد بلحاج، يعتقد بأن اقتصاد المغرب “يسير في الاتجاه السليم”، بحسب تصريحاتهالتى أشار فيها إلى أن التنافسية في الاقتصاد المغربي لم تستغل بشكل كامل.
وأشار إلى أن “تعزيز دور القطاع الخاص في المغرب قد يرفع النمو الاقتصادي فوق 6 بالمئة”.
وفي حديث سابق ، توقعت وزيرة المالية المغربية، نادية فتاح العلوي، تسجيل الاقتصاد نمو نسبته 3.4 بالمئة خلال العام الجاري، رغم التحديات التي تواجه البلاد من الزلزال والجفاف. وأن يسجل نمواً بنسبة 3.7 بالمئة في العام المقبل،
ونما اقتصاد البلاد بنسبة 2.3 بالمئة في الربع الثاني من العام الجاري 2023، وذلك مقارنة بـ 2.2 بالمئة خلال الربع ذاته من العام السابق، وفق بيانات المندوبية السامية للتخطيط .