كلمة الإيثار والمواساة من الكلمات التى تندرج تحتها كثير من المعانى السامية التى اذا استخدمت بدون افراط أو تفريط نتج عنها مجتمع مثالى كما ينبغى أن يكون المجتمع المسلم .
قال الله تعالى (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ)[ الحشر:9] وقال الله تعالى (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [ الإنسان:8].
فالإيثار : أن يقدم الإنسان غيره على نفسه ، والمواساة : أن يواسى الإنسان غيره بنفسه .
ولنفهم كيفية تنفيذ الإيثار كيفما يجب فى المجتمع المسلم يجب أن نعلم أن الإيثار ثلاثة أقسام أولهما : ممنوع ، والثانى : مكروه أو مباح ، والثالث : مباح .
فالقسم الممنوع : هو أن تؤثر غيرك بما يجب عليك شرعا فإنه لا يجوز أن تقدم غيرك فيما يجب عليك شرعا .
مثال : إذا كان معك ماء يكفى لوضوء رجل واحد ، وأنت لست على وضوء ، وهناك صاحب لك ليس على وضوء والماء لك ، لكن إما أن يتوضأ به صاحبك وتتيمم أنت ، أو تتوضأ أنت ويتيمم صاحبك ، ففى هذه الحال لا يجوز أن تعطيه الماء وتتتيمم أنت ؛ لأنك واجد الماء والماء فى ملكك ، ولا يجوز العدول عن الماء إلى التيمم إلا لعادم . إذا فالإيثار فى الواجبات الشرعية حرام ، ولا يحل ، لأنه يستلزم إسقاط الواجب عليك .
أما المكروه أو المباح : فهو الإيثار فى الأمور المستحبة ، وقد كرهه بعض أهل العلم وأباحه بعضهم ، لكن تركه أولى لا شك إلا لمصلحة . مثل : أن تؤثر غيرك فى الصف الأول الذى أنت فيه ، مثل أن تكون أنت فى الصف الأول فى الصلاة ، فيدخل إنسان فتقوم عن مكانك وتؤثر به ، فقد كره أهل العلم هذا ، وقالوا : إن هذا دليل على أن الإنسان يرغب عن الخير ، والرغبة عن الخير مكروهة ، إذ كيف تقدم غيرك على مكان فاضل أنت أحق به منه ! مع أن بعض العلماء قالوا أن تركه أولى إلا إذا كان فيه مصلحة ، كما لو كان أبوك وتخشى أن يقع فى قلبه شىء عليك فتؤثره بمكانك الفاضل ، فهذا لا بأس به .
أما ما هو مباح كما أن تؤثر غيرك فى أمر غير تعبدى ، أى تؤثر غيرك وتقدمه على نفسك فى أمر غير تعبدى . ومثاله : أن يكون معك طعام وأنت جائع ، وصاحب لك جائع مثلك ففى هذه الحال إذا آثرته فإنك محمود على هذا الإيثار ، لقول الله تعالى فى وصف الأنصار : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٩﴾
ووجه إيثارهم على أنفسهم أن المهاجرين لما قدموا المدينة تلقاهم الأنصار بالإكرام والإحترام والإيثار بالمال ، حتى إن بعضهم يقول لأخيه المهاجرى : إن شئت أن أتنازل عن إحدى زوجتى لك فعلت ؛ يعنى يطلقها فيتزوجها المهاجرى بعد مضى عدتها ، وهذا من شدة إيثارهم رضى الله عنهم لإخوانهم المهاجرين .
وهناك العديد من الأحاديث النبوية التى توجه الإنسانية كلها إلى عظمة الإسلام والمسلمين الأصل من الصحابة الذين وضحوا من خلال تعاملاتهم علما عمليا يوجه جميع الأنام على مر العصور لمبدأ الإيثار والمواساة والحب فى الله .