بقلم الدكتور/ ماجد فياض
هذه هي المرة الأولى التي أذكر فيها إسم الدكتور مشالي _ رحمه الله_ صراحة وأكدت وما أزال علي احترامه ، وطرائق عيشه، ومظهره ،وإختياراته وإسلوب حياته لكني أعترض، وأرفض تماما نمذجتة ، و خلق وتقديم الطريقة المشالية علي مهاد الإقتداء .
أنا قادم من أعماق الريف ، وأؤكد لكم أن الناس عطشي للنماذج الإنسانية في وقت طغت فيه المادية والبرجماتية علي حياة البشر ، وجواز الإلهام والإقتداء في الحالة المشالية يكمن فقط في القدرة علي العطاء حتي آخر العمر والإحساس بالفقراء ، أما من الناحية الفنية البحتة فقد قدم الدكتور مشالي نموذجا لطب الغلابة الذي تحدثت عنه تفصيلا في مقال سابق و طب جبر الخواطر لكنه لم يقدم أبدا ذلك الطب المستند للبراهين ، ولو كانت إدارة العلاج الحر التابعة للدولة نفسها تعمل ضمن شروط ضمان وسلامة الخدمة الصحية ومكافحة العدوي وصلاحيات الفصل بين التخصصات الطبية المختلفة (privilege ) لأغلقت العيادة وفرضت الغرامة..لكنها وجدت ضالتها فاستثمرت فيه سياسيا وإعلاميا .
في هذا المقال أوجه_ بعد دعواتي بالرحمة والمغفرة والقبول للدكتور مشالي _ عدة رسالات للإعلام والسيد رئيس الوزراء وشباب الأطباء وعموم الناس كافة.
أولا الإعلام
لا نعرف لماذا وجد الدكتور مشالي ذراعا إعلاميا قويا احتفي به بينما في الوقت نفسه أشاح الإعلام بوجهه وأدار ظهره في خبث عن نماذج مشرفة لمئات من أطباء الغلابة في بر مصر ومنهم عشرات العمداء وأساتذة في كليات الطب ومعاهد أورام واستشاريين الذين يقدمون في عياداتهم الخاصة وفي قراهم النائية خدمة طبية لائقة وعلمية و مجانية تماما لأهلنا من غير القادرين
هل لأنها لا تخدم الصورة الشاذة التي يريد تمريرها وترسيخيها في أذهان الناس وتزييف الحقيقة ؟!
ومعروف دائما ان المشكلة تكمن في جشع التجار!!.
ثانيا معالي السيد رئيس الوزراء
الحكومة التي رفعت أسعار الكهرباء في وسط أزمة كورونا التي عشش فيها الكساد و طحنت البلاد والعباد ، والتي تفرض رسوما باهظة لعبور أي طريق جديد حال افتتاحه
هل يجوز لرئيس وزرائها أن يقول للأطباء اقتدوا بمشالي
فبدلا من الإستماع لمطالب الأطباء علي جبهة كورونا الحربية و تحسين أوضاع الصحة وميزانيتها ،والمستشفيات ومعداتها ،وأجهزتها ، وبنيتها ،وتقدير الأطباء ماديا و معنويا تغسل الحكومة يديها بالمزايدة علي الأطباء بقولها كن كمشالي !!
الحكومة الرأسمالية التي تعلم جيدا أن سوق الخدمات الصحية الخاصة مثل باقي الخدمات يخضع لآليات العرض والطلب ، فهل نعمل نحن الشعب تحت مظلة الإشتراكية بينما تجني الحكومة نفسها ضرائبها وأسعار خدماتها وفق قواعد الرأسمالية؟ ، هل الحكومة تريد أن يكون الأطباء كلهم مشالي كي تغسل يديها من عناء الرعاية الصحية ؟ وهل البسطاء لا يستحقون خدمة صحية لائقة؟ ، هل تريد أن تختصر أزمة الصحة في مصر وحلها السحري بكن كمشالي؟!. ولماذا لا تقتدون أنتم أيضا ، أليس كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون؟!
ثالثا شباب الأطباء
الطب مثل معبد طقسي فرعوني له فناء مكشوف للعامة ثم صالة أعمدة للخاصة ، ثم قدس الأقداس لصفوة الصفوة ..في الماضي كان الحصول علي بكالوريوس الطب والجراحة يسمح بالدخول إلي الفناء المكشوف لكن منذ سنوات عديدة لم يعد هناك وجود للممارس العام وانشق منه في مصر زمالة طب طوارئ وطب أسرة لها برامج دراسية و تدريبية محددة ، أي أن البكالوريوس أصبح مجرد تذكرة تسمح لك بالإنتظار لدخول المعبد هذا من حيث الجوهر فتعلم ، وثابر ، واصطبر ، فالطب لا يكشف لك عن سحر أسراره العظمي وجمال وروعة معبده إلا حينما تتقدم فيه بدراسة الماجستير والدكتوراة ، أو الزمالات ، والتدريب المستمر وحضور المؤتمرات وورش العمل والمشاركة في الأبحاث العلمية ، فلا ترضي لنفسك سوي بقدس أقداس الطب ، أما المظهر فطالع إن شئت أول إعلان لأبسط وظيفية تقع عليها عينك ستجده يشترط حسن المظهر وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال .
رابعا عموم الناس.
(الناس بتعمل إزاحة) هكذا قال صديقي استشاري الطب النفسي حين عرضت عليه بعض الآراء والتعليقات المتجاوزة والقاسية في حق الأطباء لتحليلها من وجهة نظر الطب النفسي ، ومعني الإزاحة أن الناس لا تستطيع أن تطالب الدولة بحقوقها ولا تسأل لماذا هم غلابة من الأساس ؟؟ ولا تُطالب بزيادة الإنفاق علي الصحة ولا تستطيع أن تنتقد ذوي المناصب والسلطة فتُخرج كل مشاعر الكبت والقهر والضعف والإستقواء علي المتميزين المرموقين لأنهم بلا سلطة ولا سند فتخرج في صورة دكاترة جزراين ، وتعليقات مثل سياراتهم ، ومساكنهم ، ومأكلهم ، ومشربهم من آلآم و دماء وجمام المرضي .
نعم هو الخوف والقهر الذي صنع هذا التضارب في العناوين ، وبعض الناس أيضا لديها خلل واضطراب الرؤية ويرون أن الطب مهنة لا يجوز الكسب فيها من مرضهم وأوجاعهم حتي لو في العيادات الخاصة التي تخصع لإلتزامات مادية كثيرة وضرائب متعددة أو بسعر الكشف الذين يرونه هم مناسبا ومعروف حتما ان من يقدم الخدمة هو من يحدد سعرها ومن حق الدولة مراقبة جودة الخدمة وضبط أسعارها .
بعض الناس حين يختلفون ماديا يقولون ( روح إلهي تصرفهم علي الدكاترة ) لأنهم يرون أن جيوب الأطباء هي المصير العادل للمال الحرام .
في النهاية سيظل الدكتور مشالي أسطورة في وجدان البسطاء والسيرة الشعبية المصرية التي جعلت منه حاصلا علي مجموع 99.3% في البكالوريوس _ وهو رقم مضحك جدا إذ أن آخر عهدنا نحن الأطباء بهذه الأرقام قد توقف عند الثانوية العامة_ وجعلوا منه أميرا للرفض حين رفض العمل معيدا بالجامعة من أجل الغلابة.!!.
كما خلعوا علي السيد أحد البدوي كرامات إنقاذ الأسرى المسلمين من أيدي الصليبيين أيام الحملات الصليبية ،وصنعوا له مقاما ومولدين عظيمين أخشي أن يرفعوا الدكتور مشالي إلي درجة أنه كان يبرأ الأكمه والأبرص ويُحي الموتي بإذن الله لأنها من ضروريات صناعة البطل الشعبي ذلك الذي يسد عنهم شروخ الروح قبل الجسد ، بينما سيظل في نظر الكثير من الأطباء المعتدلين صورة متواضعة لطبيب لم يُؤتي حظا من علوم الطب _ لتوقفه عند فناء المعبد المكشوف _ ولا سعة من طموح حتي في خدمة البسطاء أنفسهم وتواضع القدرة علي تطوير الذات .
وكان حريا وأجدر علي الدولة وإعلامها أن لا تستثمر في ربا هذا النفاق المجتمعي الرخيص ، وأن تعطي كل ذي حق حقه ، وأن تسارع لتردم تلك الهوة الساحقة لا أن تباعد بين اسفارها ، وتزيد من الفتنة والكراهية والتأليب بين فئات المجتمع.