شرع المغرب منذ أزيد من 20 عاما في اعتماد مقاربة شاملة وتفعيل برامج لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، من بينها برنامج “مصالحة” الخاص بسجناء التطرف والإرهاب، والرامي إلى إعادة تأهيل المدانين في قضايا الإرهاب خلال قضائهم للعقوبة السجنية داخل مؤسسات الإصلاح.
ويهدف البرنامج الذي تم إطلاقه سنة 2017 من قبل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج ومؤسسات رسمية أخرى إلى مساعدة الحاملين للفكر المتطرف والمدانين بموجب قضايا الإرهاب على مراجعة وتصحيح أفكارهم “المتشددة”.
وقد بلغ عدد المشاركين في هذا البرنامج التأهلي 301 نزيلا، من بينهم 12 نزيلة تم الإفراج عنهن جميعهن، لتصبح بذلك سجون المغرب خالية من النساء المتابعات في قضايا الإرهاب.
مرتكزات “مصالحة”
وفي إطار برنامج “مصالحة”، الذي أطلق منذ 6 سنوات، تقوم المندوبية العامة للسجون وإعادة الإدماج إلى جانب الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان على مواكبة المدانين في قضايا الإرهاب من خلال عدة مرتكزات، من بينها:
المصالحة مع الذات، والمصالحة مع المجتمع ومع النص الديني واكتساب المعارف الضرورية من أجل فهم النص الديني من داخل المرجعية الدينية للمملكة.
تأهيل النزلاء بشكل يساعدهم على التخلي عن التصورات الإقصائية وبناء تصورات بديلة مبنية على الاختلاف والتسامح والانفتاح.
فهم واستيعاب الإطار القانوني المنظم لعلاقة الأفراد بالمجتمع وبالدولة.
التأهيل النفسي لاكتساب القدرة على التعايش والاندماج الفعلي داخل المجتمع.
إعادة التأهيل والإدماج
ويشدد عدد من المتتبعين لقضايا الإرهاب على أهمية برامج “مصالحة” في مساعدة المعتقلين على خلفية قضايا الإرهاب والتطرف لمراجعة أفكارهم المتشددة والدفع بإعادة اندماجهم داخل المجتمع بعد مغادرتهم أسوار السجن.
في هذا الصدد، يقول الخبير في السياسات الأمنية إحسان حافيظي، إن التوجه القائم على المصالحة المتبع من قبل المملكة يعد نهجا سليما في مجال إدماج المدانين في قضايا الإرهاب.
ويعتبر حافيظي في تصريح لـ”سكاي نيوز عربية” أن الإشكال المطروح اليوم في هذا الملف يخص الحاضنة الاجتماعية التي يمكن أن تساهم في منع عودة المفرج عنهم لاعتناق الفكر المتطرف، وإدماجهم الكلي داخل المجتمع.
ويشير المتحدث إلى أن العديد من المتابعين بموجب قانون الإرهاب والذين استفادوا من برنامج “مصالحة” قد أصبحوا اليوم مساهمين في عملية تكوين المدانين في قضايا الإرهاب، وباتوا جزءا من منظومة مراجعة الفكر المتطرف ويعملون على نشر ثقافة التسامح ومحاربة الأفكار المتطرفة.
“مقاربة ناجعة”
وشهد المغرب في 16 مايو 2003 تفجيرات انتحارية نفذها شباب متطرف في مواقع متفرقة في مدينة الدار البيضاء (العاصمة الاقتصادية للبلاد)، وخلفت مصرع 45 شخصا.
يؤكد إحسان حافيضي أن المقاربة التي اعتمدها المغرب في مجال معالجة ملف التطرف والإرهاب اتسمت بالنجاعة ومكنت من تحقيق مكاسب ونتائج هامة جعلت من المملكة حصنا منيعا وشريكا دوليا مشهودا به من قبل كبريات أجهزة الأمن العالمية.
ويضيف حافيظي أن هذه المقاربة تقوم على ثلاثة محددات أساسية تتمثل في:
الإبقاء على حالة اليقظة الدائمة والمتواصلة بغية إفشال كل المخططات التي تسعى شبكات إرهابية لتنفيدها داخل المملكة، وتفكيك الخلايا المرتبطة بالفكر المتطرف.
مواكبة جنائية وتشريعية لهذه الظاهرة من خلال تجريم الالتحاق ببؤر التوتر وهو المعطى الذي لم يكن حاضرا في النسخة الأولى من قانون الإرهاب.
اعتماد مقاربة اجتماعية واقتصادية لمعالجة أسباب الظاهرة.
ويشدد حافيظي على الأهمية التي يكتسيها البعد الاستباقي للمقاربة الأمنية المعتمدة من قبل المملكة، والتي مكنتها من تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية ورصد وتتبع نشاط الجماعات المتطرفة وحركية الشبكات المرتبطة بالعمل الإرهابي سواء على الصعيد المحلي أو في ارتباطها بالخارج.
ضربات استباقية
إلى جانب برنامج “مصالحة” داخل المؤسسات السجنية تقوم استراتجية المملكة في مواجهة الإرهاب والتطرف على المقاربة الأمنية من خلال العمليات الاستباقية لتفكيك الخلايا الإرهابية وتوقيف الأشخاص المشته ارتباطهم بتنظيمات متطرفة.
وفي إطار هذه الخطة، فقد تمكنت المملكة، وفق تقرير لوزارة الداخلية حول منجزات سنة 2023، من:
إجهاض أزيد من 500 مشروع إرهابي وتفكيك 215 خلية إرهابية منذ سنة 2002.
تفكيك 6 خلايا إرهابية وإيقاف 21 شخصا منذ بداية 2023. وكشفت وزارة الداخلية أن الضربات الاستباقية قد مكنت من إفشال عدد من المشاريع الإجرامية والعمليات الإرهابية، حيث كان من بين الموقوفين من تورط في الإعداد لتنفيذ مشاريع تخريبية كانت تستهدف منشآت حيوية وطنية حساسة، وعناصر ومؤسسات أمنية