
يجب على الصائم أن لا يُعرض صيامه لما يفسده ويُضيع ثوابه؛ فيمسك أعضاءه وجوارحه عن كل ما يغضب الله تعالى ويضيع الصوم كالغيبة والنميمة، والقيل والقال، والنظر إلى ما حرمه الله تعالى، والخصام والشقاق، وقطع صلة الرحم، وغير ذلك من الأمور التى من شأنها ضياع ثواب الصوم؛ عملًا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ» أخرجه النسائى وابن ماجه وأحمد عن أبى هريرة رضى الله عنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. أو بعبارة أخرى أن يجتنب كل ما من شأنه أن يُذهب التقوى أو يضعفها؛ لأن الصيام شُرع لتحصيلها؛ قال تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
أما مَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ متعمدًا فى نهار رمضان أفطر بإجماع العلماء، وعليه قضاء يوم فقط فى بعض المذاهب، وهو المفتى به، وقضاء يوم مع الكفارة فى بعض المذاهب، والكفارة صوم ستين يومًا متتابعة أو إطعام ستين مسكينًا أن لم يستطع الصوم، والجميع متفق على أن من أكل أو شرب عامدًا فى نهار رمضان مذنب وآثم لانتهاك حرمة الصوم.
ومن أكل أو شرب ناسيًا فإن صومه يبطل فى مذهب الإمام مالك، ويجب عليه إمساكُ بقية يومه وعليه القضاء فقط، أما عند غير مالك فإن الأكل أو الشرب ناسيًا لا يبطل الصوم وليس فيه قضاء وصيامه صحيح، وهو المترجح لنا.
ومن مبطلات الصوم: الجماع عمدًا فى نهار رمضان، ومن يفعل ذلك فعليه القضاء والكفارة فى جميع المذاهب، ولكن هل الكفارة على الزوج والزوجة معًا؟ بعض المذاهب ترى ذلك، وبعضها ترى الكفارة على الزوج، أما الزوجة فعليها القضاء فقط، وإن كان الاثنان شريكين فى الإثم والمعصية.
ومن مبطلات الصوم: تعمد القيء، وكل ما يصل إلى الجوف من السوائل أو المواد الصلبة فهو مبطل للصوم وإن اشترط الحنفية والمالكية فى المواد الصلبة الاستقرار فى الجوف. والكحل إذا وُضِع نهارًا ووُجِد أثرُه أو طعمُه فى الحلق أبطل الصوم عند بعض الأئمة، وعند أبى حنيفة والشافعى رضى الله عنهما أن الكحل لا يفطر حتى لو وُضِع فى نهار رمضان، ويستدلان لمذهبهما بما رُوِى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم من أنه كان يكتحل فى رمضان، وهو المترجح عندنا.
ومن المبطلات للصوم: الحيض والنفاس.
ويعد غاز الأكسجين إذا كان مجرد هواء يُضَخُّ للمساعدة على التنفس لا يفسد الصوم، لكن أن احتوى مع الهواء على موادَّ إضافيةٍ تدخل إلى الجوف فإنه مُفَطِّر.
وَضْعُ النُّقَطِ فى الأنف أو الأذن أو استخدام بخاخ الأنف (ويُسمَّى عندهم الِاستِعَاط أو الإسعاط أو السعُوط) مُفسِدٌ للصوم إذا وَصَلَ شيءٌ من ذلك إلى الدماغ أو إلى الحلق، فإذا لَم يُجَاوِز شيءٌ من ذلك الخَيْشُومَ إلى الحلق فلا يفسد الصيام.
كما أن التدخين مع كونه عادةً سيئةً محرمةً شرعًا، وتضر بصحة الإنسان، فهو أيضًا مُفْسِدٌ للصوم، موجِبٌ للقضاء؛ لأن الدخان الناتج عن حرق التبغ يتكاثف داخل الأنف وينزل إلى الصدر، فيكون جِرْمًا دخل جوفًا، فيحصل به الفطر.
وكما أن مذهب جمهور العلماء فى الحقن الشرجية -وهى التى تُعرَف بالحُقنة والاحتقان عند الفقهاء- أنها مفسدة للصوم إذا استُعمِلت مع العمد والاختيار ويمكن تقليد قول عند المالكية لمن ابتُلِى بالحقنة الشرجية فى الصوم ولم يكن له مجال فى تأخير ذلك إلى ما بعد الإفطار، ويكون صيامه حينئذٍ صحيحًا، ولا يجب القضاء عليه، وإن كان يستحب القضاء خروجًا من خلاف جمهور العلماء.
وأيضا إذا خافت زوجتُك على نفسها، أو خافت على نفسها مع خوفها على الجنين، فعليها القضاء فقط، ولا فدية عليها، أما إذا كان خوفها على الجنين فقط، بحيث حذرها المختصون من ضرر الصوم على الجنين، فعليها القضاء والفدية: وهى إطعام مسكينٍ عن كل يومٍ مُدًّا مِن طعام، والمُدُّ ربع صاع، أى ربع ما يخرج فى زكاة الفطر من الحبوب أو التمر أو ما شابه مما يجزئ فى زكاة الفطر.
وتعتبر البخَّاخة التى يستخدمها مريض الربو مفسدةٌ للصوم؛ لأن بها سائلًا على هيئة رذاذٍ يصل إلى الجوف عن طريق الفم، فإن كان المريض لا يستغنى عنها فى نهار الصوم فإنه يُفطر ثم يقضى بعد ذلك، وإن علم من الطبيب أن مرضه مستمرٌّ فعليه فديةٌ إطعام مسكينٍ عن كُلِّ يوم يفطره.
حكم الحقن والمحلول الملحى والجلوكوز والمانيتول أنها جميعًا لا تفسد الصوم؛ لعدم دخولها فى منفذٍ مفتوح؛ لأنها تدخل عن طريق الجلد، فهى كأنها تَشَرَّبَها الجِلدُ، ولا فرق بين أن يتشربها الجلد وبين حقنها
وأما حكم زبدة الكاكاو فهى أيضًا فى حكم الادِّهان؛ لا تفسد الصوم ما لم تبتلع بل تشربتها الشفاه.
واستعمال الكريمات والزيوت المرطبة والمغذية للجلد والشعر فى أثناء الصيام لا يفطر؛ لأنها لا تصل إلى الجسم من منفذٍ مفتوح.
والتقطير فى العين بدواءٍ أو محلولٍ لا يفسد الصوم وإن وجد الصائمُ طعمَ القطرة فى حلقه؛ لأن العين ليست منفذًا مفتوحًا على المختار فى الفتوى.
كما أن جماع الزوج لزوجته فى ليالى رمضان جائزٌ شرعًا ما لم يكن هناك عذرٌ شرعى كالحيض والنفاس؛ لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: 187] والرفث هنا معناه الجماع.