كان السحرعلما يعلم منذ قدماء المصريين ، وقد برعوا فيه ، حتى جاءت معجزة موسى عليه السلام بإبطاله ، وإظهار زيفه ، وأبان للمشاهدين أن حبال السحرة وعصيهم لم تنقلب إلى حيات ، وأنها ما زالت حبالا وعصيا ، وكان السحر يعتمد على أحد أمور : الأمر الأول : التعمق فى العلم وأسرار الأشياء وخواصها ، بدرجة ينفرد بها الساحر عمن عداه ، فيستغل هذه الظواهر أمام من لا يعلمها ، على أنها خرق للعادة، وتحويل للمادة ، وتغيير لحقائق الأشياء ، وهذا ما حصل من سحرة فرعون ، فقد قال المفسرون : أنهم ملئوا حبالهم وعصيهم بمادة الزئبق الذى يتمدد بسرعة وبدرجة عالية بالحرارة ، وألقوا حبالهم وعصيهم على أرض ساخنة ، فتمدد الزئبق ، وتحركت الحبال والعصى كأنها حيات تسعى ، ولو أن رجلا فى عصرنا استخدم ما يعرف (بالريموت كنترول )فى قرى الريف أو فى مجاهل أفريقيا ، فحرك السيارة من بعد ، أو شغل التليفزيون وأطفأه من بعد ، أو فجر قنبلة من بعد ، لآمن المشاهدون بأنه ساحر عظيم .
الأمر الثانى:تعلم خفة اليد ، وشغل المشاهدين بأشياء جانبية وتحويل انتباههم عن خديعته ، وإيهامهم والإيحاء إليهم بغير الحقيقة ، والسيطرة عليهم بقوة شخصيته وخفة حركاته ، فيخرج لهم حمامة من علبة مفرغة مفتوحة من الجانبين ، يمرر فيها يده على أنها خالية ، والحقيقة أن الحمامة فى جانب منها ، أو ينام صبى فوق لوح ممدا ، فيغطيه ، فينكمش الصبى فى جانب ، فيضرب الرجل اللوح بالسيف ،
فيقطعه نصفين ، ويتوهم المشاهد أن الصب قطع نصفين ، فيقوم الصبى واقفا ، فيصفق المشاهدون إعجابا بالسحر والساحر .
الأمر الثالث: استغلال صاحب الشخصية القوية موهبته فى السيطرة على صاحب الشخصية الضعيفة عن طريق الإيهام والإيحاء الخارجى ، فيتأثر الموحى إليه بما يريده الموحى ، ويخيل إليه ماليس بحق حقا كأن يقول شخص لآخر مالك أصفر اللون ، خائر الأعصاب ،لا تكاد تقف على رجليك ، فيخرج يتساند على مرافقيه ويقتنع تمام الإقتناع أن به شىء عظيم يكاد أن لا يقوم بصحة جيدة مره أخرى.
فينبغى ألا نغفل عن أن كثيرا مما يطلق عليه السحر مما يفعله المشعوذة والدجالون فى عصرنا الحاضر لاحقيقة له ، وهو نصب واحتيال ينبنى على خداع الجهلة والبسطاء بخفة فى الحركة أو استخدام لخواص الأشياء التى يجهلها الراءون .
عن عائشة رضى الله عنها قالت :سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودى من يهود بنى زريق ، يقال له لبيد بن الأعصم .قالت : حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشىء وما يفعله ، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا ، ثم قال : { يا عائشة ، أن الله أفتانى فيما استفتيته فيه . جاءنى رجلان ، فقعد أحدهما عند رأسى والآخر عند رجلى،فقال الذى عند رأسى للذى عند رجلى ، أو الذى عند رجلى للذى عند رأسى : ما وجع الرجل ؟ قال : مطبوب . قال : من طبه ؟ قال : لبيد بن الأعصم . قال: فى أى شىء ؟ قال : فى مشط ومشاطة . قال : وجف طلع ذكر . قال : فأين هو ؟ قال : فى بئر ذى أروان ) قالت : فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أناس من أصحابه ، ثم قال : ( يا عائشه والله لكـأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين ) قالت : فقلت : يا رسول الله ، أفلا أحرقته ؟ قال : ( لا ، أما أنا فقد عافانى الله وكرهت أن أثير على الناس شرا فأمرت بها فدفنت ).