للعرب فى السحر خيال واسع وهو أنهم يزعمون أن السحر يقلب الأعيان ويقلب القلوب ويطوع المسحور للساحر ولذلك كانوا يقولون إن الغول ساحرة الجن ولذلك تتشكل للرائى بأشكال مختلفة .وقالت قريش لما رأوا معجزات رسول الله : إنه ساحر قال تعالى(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) القمر (2) وقال تعالى 🙁 وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ﴿١٥﴾سورة الحجر .وفى حديث البخارى عن عمران ابن حصين أن القوم عطشوا فى سفر مع رسول الله فطلبوا الماء فوجدوا امرأة على بعير لها مزادتان من ماء فأتيا بها رسول الله فسقى رسول الله جميع الجيش ثم رد إليها مزادتيها كاملتين فقالت لقومها : فوالله إنه لأسحر من بين هذه وهذه ، تعنى السماء والأرض وفى الحديث (إن من البيان لسحرا)ولم أر ما يدل على أن العرب كانوا يتعاطون السحر فإن السحر مستمد من خصائص الأمور الطبيعية والتركيب ولم يكن للعرب ضلاعة فى الأمور اليدوية بل كانت ضلاعتهم فكرية محضة ، وكان العرب يزعمون أن أعلم الناس بالسحر اليهود والصابئة وهم أهل بابل ، ومساق الآية يدل على شهرة هؤلاء بالسحر عند العرب .وقد اعتقد المسلمون أن اليهود فى يثرب سحروهم فلا يولد لهم فلذلك استبشروا لما ولد عبد الله بن الزبير وهو أول مولود للمهاجرين بالمدينة كما فى صحيح البخارى . ولذلك لم يكثر ذكر السحر بين العرب المسلمين إلا بعد أن هاجروا إلى المدينة إذ قد كان فيها اليهود وكانوا يوهمون بأنهم يسحرون الناس . ويداوى من السحر العراف ودواء السحر السلوة وهى خرزات معروفة تحك فى الماء ويشرب ماؤها . وورد فى التوراة النهى عن السحر فهو معدود من خصال الشرك وقد وصفت التوراة به أهل الأصنام فقد جاء فى سفر التثنية فى الإصحاح 18{ إذا دخلت الأرض التى يعطيك الرب إلهك لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم لا يوجد فيك من يزج ابنه أو ابنته فى النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقى رقية ولا من يسأل جانا أو تابعة ولا من يستشير الموتى لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب}
وكانوا يجعلونه أصلا دينيا لمخاطبة أرواح الموتى وتسخير الشياطين وشفاء الأمراض وقد استفحل أمره فى بلد الكلدان وخلطوه بعلوم النجوم وعلم الطب .وأرجع المصريون المعارف السحرية إلى جملة العلوم الرياضية التى أفاضها عليهم (طوط )الذى يزعمون أنه إدريس وهو هرمس عند اليونان . وقد استخدم الكلدان والمصريون فيه أسرارا من العلوم الطبيعية والفلسفية والروحية قصدا لإخراج الأشياء فى أبهر مظاهرها حتى تكون فاتنة أو خادعة وظاهرة ، كخوارق عادات ، إلا أنه شاع عند عامتهم وبعد ضلالهم عن المقصد العلمى منه فصار عبارة عن التمويه والتضليل وإخراج الباطل فى صورة الحق ، أو القبيح فى صورة حسنة أو المضر فى صورة النافع .
وقد صار عند الكلدان والمصريين خاصية فى يد الكهنة وهم يومئذ أهل العلم من القوم الذين يجمعون فى ذواتهم الرئاسة الدينية والعلمية فاتخذوا قواعد العلوم الرياضية والفلسفية والأخلاقية لتسخير العامة إليهم وإخضاعهم بما يظهرونه من المقدرة على علاج الأمراض والاطلاع على الضمائر بواسطة الفراسة والتأثير بالعين وبالمكائد .
وقد نقلته الأمم عن هاتين الأمتين وأكثر ما نقلوه عن الكلدانيين فاقتبسه منهم السريان (الأشوريون ) واليهود والعرب وسائر الأمم المتدينة والفرس واليونان والرومان .