لم يحظ خليفه من الخلفاء الراشدين بالشهره والذيوع الواسع هذا مثلما حظى الخليفه العباسى هارون الرشيد، غير أن تلك الشهره إمتزج فى نسجها الحقيقه مع الخيال، وإختلط الواقع مع الأساطير، حتى كادت تختفى صورة الرشيد، وتضيع قسماتها وملامحها، وتظهر صوره أخري له أقرب إلى اللهو واللعب،
وأصبح من الواجب نفض الروايات الموضوعه، والأخبار المدسوسه حتى توضح لنا شخصية الرشيد كما هى فى الواقع.
إسمه….ونشأته :
هو أبو جعفر هارون بن محمد المهدى بن أبى جعفر المنصور بن محمد بن على بن عبدالله بن عباس الهاشمى.
ولد هارون الرشيد ببلدة “الرى” بطبرستان فى أخر ذي الحجه سنة 145 من العام الهجرى فى أول محرم سنة149 من العام الهجرى.
نشأ الرشيد فى بيت ملك، وأعد ليتولى المناصب القياديه فى الخلافه، وعهد به أبوه الخليفه “المهدى بن جعفر المنصور” إلى من يقوم على أمره تهذيبآ وتعليمآ وتثقيفآ، وكان من بين أساتذة الأمير الصغير ” الكسائى” “المفضل الضبى” وهما من هما علمآ ولغه وأدبآ، حتى إذا أشتد عوده وإستقام أمره، ألقى به أبوه فى ميادين الجهاد، وجعل حوله القاده الأكفاء يتأسى بهم، ويتعلم من تجاربهم وخبراتهم، فخرج فى عام ( 165) من العام الهجرى عام (781)من العام الميلادى على رأس حمله عسكريه ضد الروم، وعاد محملا بأكاليل النصر، فكوفئ على ذلك بأن اختاره أبوه واليآ ثانيآ بعد أخيه ” موسى الهادى “.
وكانت الفتره التى سبقت خلافته يحوطه فى أثناءها عدد من الشخصيات السياسيه والعسكريه، وكانت هذه الكوكبه من الإعلام بمثابة أركان الدوله التى عندما ألت إليه الخلافه ، نهضوا معه بدولته حتى بلغت ما بلغت من الإزدهار والتألق.
صفاته :
تميز هارون الرشيد بالعديد من الصفات من بينها:-
أولا : من حيث الجسم
كان ابيض البشره جميل الوجه، جعد الشعر، وقد خطه الشيب.
ثانيا : من حيث العقل
كان مثقفآ، واسع الثقافه فى العربيه والفارسيه
ثالثآ : من حيث الأخلاق
كان حاد العاطفه، قد يغضب ويقتل ويعفو لاتفه الأسباب، يجد لابعد الحدود، فيحارب حروب الأبطال، ويتغلب على كل الثورات، ويصلى ويحج، ويقود الصائفه أحيانآ، والشاتيه أحيانآ، ويتباهى فيأتى بالعجب العجاب أمام الوفود والزائرين، ويتخاشع فيبكى بكاء مرآ، ويلهو فتكون له المجالس الرائعه فى الغناء والرقص، وما إلى ذلك…
ويظهر لنا أنه كان متدينآ شديد التدين،ولكن ليس وسع الصدر فى دينه سعة إبنه المأمون حيث أنه بلغه ذات مره أن بشرآ المريسى يقول بخلق القران فقال “والله لئن وجدته لأقتلنه” فإيمان الرشيد كإيمان العجائز، وكان وديعآ حتى ليصب الماء على يد ضيفه إذا كان من العلماء، بالإضافه إلى أنه كان قريب الدمع مما يدل على شدة عاطفته.
تولية هارون الرشيد الخلافه…. وأهم أعماله :
كان من حسن حظ الرشيد أن لم تطل خلافة الهادى فمات سريعآ، ومات فجأه فلم يغير البيعه، وتولى الرشيد مكانه، وجلس على العرش، حيث انه بويع بالخلافه يوم الجمعه ١٢ ربيع الأول سنة 170من العام الهجرى فى صبيحة الليله التى مات فيها اخوه الخليفه الهادى،وعندما تولى الخلافه كان عمره 25سنه وكنيته أبى موسى ثم كنى بأبى جعفر.
اسند الرشيد الوزارة سنة مبايعته بالخلافه إلى ” يحيى بن خالد البرمكى ” ودفع إليه بخاتمه قائلآ ” قد قلدتك أمر الرعيه، فاحكم فيها بما ترى”.
فى سنة 176من العام الهجرى خرج عليه يحيى بن عبدالله بالديلم، فأرسل إليه الفضل بن يحيى فى خمسين ألفآ، وأعاد الأمن إلى نصابه،وقد تمكن من إخماد عدة فتن فى الجزيره ودمشق فى سنتى ( 177_ 178) من العام الهجرى.
حقق هارون النهضه العلميه والادبيه فى العصر الذي عاشه،حيث قرب الشعراء وأهل العلم والادباء من مجلسه الذى كان يجلسه.
وطور نشاط التجاره الخارجيه،وفتح كثير من البلاد وبذلك فقد كان له دور كبير فى إتساع رقعة الإسلام.
فى سنة 175من العام الهجرى عقد الرشيد لإبنه محمد إبن زوجته “زبيده” بولايته العهد من بعده ولقبه “الأمين” وكان عمره وقتئذ خمس سنوات.
فى سنة 182من العام الهجرى بايع الرشيد لإبنه”عبدالله” بولاية العهد بعد محمد الامين،وولاة خرسان ولقبه المأمون، وبايع لإبنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون، ولقبه المؤتمن، وولاه على الجزيره والثغور.
خرج الرشيد لمحاربة رافع بن الليث بخرسان فى جيش كبير من “الرقه” سنة 192من العام الهجرى، وقد بدأ مرضه.
الرشيد ونكبة البرامكه
كان الرشيد قد أحاط نفسه بكبار القاده وأهل المشوره،خاصة من البرامكه،ولكن البرامكه كثر عددهم فى مناصب الدوله، فطمعوا فى الإستيلاء على العرش واخذوا يضيقون على الرشيد، فكثر الكلام ونشب الخلاف بين الطرفين، وقد نجح المتربصون من البرامكه فى إيغار صدر الرشيد على البرامكه، بالإضافه إلى كثرة الوشايات والدسائس عليهم، مما دفع الرشيد بأن يضع حد لاطماعهم ولكن ذلك لم يكن بالامر الهين وذلك بسبب معرفتهم الواسعه بامور الدوله، فقرر الرشيد أن يستخدم معهم عنصر المباغته وينقض عليهم، فيجعلهم بين قتيل وسجين.
ففى سنه187من العام الهجرى أصدر الرشيد أوامره لرجاله باعتقال البرامكه جميعآ، وهدد وتوعد كل من يأويهم أو يتستر عليهم، وصادر أموالهم ودورهم وضياعهم، وبذلك تكون قد إنتهت أسطورة البرامكه وزالت سلطتهم، وتبددت سطوة تلك الأسره التى ألت إليها مقاليد الحكم وأمور الخلافه لفتره من الزمان، تلك النهايه المأساويه المحزنه التى اصطلح على تسميتها فى التاريخ ب”نكبة البرامكه”.
وفاته :
مات الرشيد سنة 193من العام الهجرى بعد أن قضى فى الولايه 23سنه وشهرين و18يومآ.