الدجالين من سماتهم أنهم مدعو الوحى ، ومدعو علم الغيب ، ومدعو خوارق العادات، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتحن ابن صياد أمام الصحابه ، ليظهر لهم أنه كاهن ساحر ، وأن الشياطين قد تلقى على لسانه ما يلقيه الشياطين إلى الكهنة ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم قد نزلت عليه أية الدخان (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ)الدخان (10) فأراد أن يمتحن ابن صياد هل يعلم الآية التى نزلت حديثا ، فقال صلى الله عليه وسلم لابن صياد : ( قد خبأت لك خبأ ) -وهو يضمر الآية – فما هو ؟ قال ابن صياد : ( دخ) فعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن شأنه شأن الكهنة ، الذين تلقى إليهم كلمة مخطوفة ، ولا يعلمون الحقيقة الكاملة ، فهو لم يعلم الأية ، وإنما التقط ما التقطه الشيطان منها ،كلمة ( الدخان ) فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : ( اخسأ ، فلن تعدو قدرك ) ، أى فلن تتجاوز قدرك ، وقدر أمثالك من الكهان ، فلم يهتد ابن صياد من الآية التى أضمرها النبى صلى الله عليه وسلم إلا لهذا اللفظ الناقص ، على عادة الكهان ، إذا ألقى الشيطان إليهم ، بقدر ما يخطف ، قبل أن يدركه الشهاب ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم له 🙁 اخسأ فلن تعدو قدرك ) أى القدر الذى يدرك الكهان ، ولا يصل الأمر بهم إلى بيان وتحقيق أمور الغيب .
ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم لابن صياد ( ماترى ).؟ أى ماذا ترى من المغيبات ؟ قال : ( أرى عرشا على الماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ترى عرش إبليس على ماء البحر ) ، فليس ما ترى من حقيقة الغيب .
عن أبى سعيد رضى الله عنه قال : لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوبكر وعمر فى بعض طرق المدينة . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( آمنت بالله وملائكته وكتبه . ما ترى ؟ ) قال : أرى عرشا على الماء . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ترى عرش إبليس على البحر . وما ترى ؟) قال : أرى صادقين وكاذبين أو كاذبين وصادقا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لبس عليه . دعوه).
عن عبد الله رضى الله عنه قال : كنا نمشى مع النبى صلى الله عليه وسلم . فمر بابن صياد . فقال له رسول الله صلى الله : ( قد خبأت لك خبيئا ) فقال : دخ . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اخسأ فلن تعدو قدرك ) فقال عمر : يا رسول الله ! دعنى فأضرب عنقه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( دعه . فإن يكن الذى تخاف ، لن تستطيع قتله).
والروايات توضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لقى ابن صياد أكثر من مره فهناك روايه طويله منها ( انطلق بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبى بن كعب الأنصارى إلى النخل التى فيها ابن صياد ، حتى إذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل ، طفق يتقى بجذوع النخل )أى أخذ يتستر بجذوع النخل واحدا بعد الآخر لئلا يراه ابن صياد ( وهو يختل أن يسمع من ابن صياد شيئا ) يعلم منه حقيقة أمره ، من غير أن يشعر فيكذب ( قبل أن يراه ابن صياد ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو مضطجع على فراش فى قطيفة ، له فيها زمزمة ) أى له فى القطيفة صوت لا يفهم ، كما يفعل الدجالون المدعون استخدام الجن ، (فثار ابن صياد ) أى نهض من مضجعه وقام ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو تركته بين) أى لو لم تنبهه أمه بوجودى ، وتركته فى شعوذته ، لتبين رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا من نشاطه واتصالاته .
وسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما تربة الجنه ؟ قال : درمكة بيضاء ،مسك ، يا أبا القاسم . قال: صدقت ) . والدرمك هو الدقيق الخالص البياض ، فالمعنى أنها فى البياض درمكة ، وفى الطيب مسك .(فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس ) خطيبا ( ثم ذكر الدجال ) يحذر منه ومن تصديقه فيما يدعى ، قال عبد الله بن عمر : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال : ( إنى لأنذركموه . ما من نبى إلا وقد أنذره قومه . لقد أنذره نوح قومه ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبى لقومه. تعلمون أنه أعور . وأن الله تبارك وتعالى ليس بأعور). وحذر أيضا ( أنه مكتوب بين عينيه كافر . يقرؤه من كره عمله . أو يقرؤه كل مؤمن ) . وقال: ( تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه عزوجل حتى يموت ).
وشاع بين الصحابه أن ابن صياد هو دجال آخر الزمان ، فمن الروايات فى ذلك (رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله ، ان ابن صياد الدجال ، فقلت له : أتحلف بالله ؟ قال: إنى سمعت عمر يحلف على ذلك ، عند النبى صلى الله عليه وسلم ، فلم ينكره النبى صلى الله عليه وسلم )وكان ابن صياد يسمع ذلك ، ويسر به ، لكنه ينكره ، وفى رواية للأبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال : ( صحبت ابن صائد إلى مكة ، فقال لى : أما قد لقيت من الناس ، يزعمون أنى الدجال ) ………….( مالى ولكم يا أصحاب محمد ) ( خرجنا حجاجا ، أو عمارا ، ومعنا ابن صائد ، قال : فنزلنا منزلا فتفرق الناس ، وبقيت أنا وهو ، فاستوحشت منه وحشة شديدة ، مما يقال عليه ، قال : وجاء بمتاعه ، فوضعه مع متاعى ، فقلت : إن الحر شديد ، فلو وضعته تحت تلك الشجرة قال : ففعل ، قال : فرفعت لنا غنم أى ظهرت لنا غنم وكانوا يستبيحون حلبها للحاجة ، وكان أصحابها يأذنون بذلك ، فانطلق ، فجاء بعس ،أى جاء بقدح كبير ، مملوءلبنا ، فقال : اشرب أبا سعيد . فقلت : إن الحر شديد ، واللبن حار ، وما بى إلا أنى أكره أن أشرب عن يده -أو آخذ عن يده – فقال : أبا سعيد . لقد هممت أن آخذ حبلا ، فأعلقه بشجرة ، ثم أختنق مما يقول لى الناس ، ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟، أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هو كافر ، وأنا مسلم )؟ أو ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هو عقيم ، لا يولد له ) ، وقد تركت ولدى بالمدينة؟ أوليس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لايدخل الجنة ولا مكة ) وقد أقبلت من المدينة ، وأنا أريد مكة ؟ قال أبو سعيد : حتى كدت أن أعذره ) أى أصدقه وأقبل عذره ( ثم قال : أما والله إنى لأعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن . قال : قلت له : تبا لك سائر اليوم .
وكان أمر ابن صياد فتنة ، ابتلى بها عباده وكان ذلك فى أول الهجرة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يهادن من حوله ، من أهل المدينة ، ولم يكن هناك خطورة من ابن صياد على الإسلام والمسلمين ، فقد كانت عقيدة الإسلام مستقرة وثابتة ، لا تزعزعها العواطف فى أول الهجرة ، ولم يكن له أتباع ، ولم يكن له مصدقون ، بل شبهه بالدجال جعل المسلمين ينفرون منه ، ويبتعدون عنه ، كما حصل لأبى سعيد الخدرى ، فإهماله ، وعدم الضرب على يده وعدم قتله . حكمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن يكن هو الدجال حقيقة ، فلن يقتله غير ابن مريم ، وإن كان كاذبا فلا خير فى قتله ، ما دام لا خطر منه ، ولا يصدقه أحد .
أما هذه الأيام – وقد كثر الدجالون الكذابون- فما أكثر من يصدقهم ، ويذهب إليهم ، ويدفع لهم ما يملك من أجل أن ينفعوه ، ولم يقتصر تصديقهم على الجهلة وضعاف النفوس ، بل زاد وانتشر انتشار النار فى الهشيم .
حمانا الله من شرورهم ، وحمى الإسلام من شعوذتهم.