ألقى عباس شومان، وكيل الأزهر، محاضرة بمسجد حامد النصرالله خلال زيارته لدولة الكويت حول شكر النعم بدأها بقوله تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»، قائلا: إننا حين نمعن النظر ونتأمل ما يجري في العالم من حولنا ندرك عِظم نعم الله علينا من نعم لا تعد ولا تحصى، ولعل أول هذه النعم وأكملها وتمامها نعمة الإسلام التى منّ الله علينا بها وحملها إلينا خير خلقه سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – الذي أمرنا بالدعوة للخير والنهي عن المنكر وتقدير العلم وإجلال العلماء.
وأضاف أن إبليس – عليه لعنة الله – اكتشف حقيقة شكر النعم التى امتن بها علينا المولى عز وجل، فقال: «ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين»، فالشكر هنا هو النعمة النادرة التي لا تعوّض، فلم يقل إبليس للحق سبحانه ولا تجد أكثرهم يصلون أو يحجون أو يتصدقون، ولكن قال ولا تجد أكثرهم شاكرين.
وأوضح وكيل الأزهر في محاضرته أن حقيقة الشكر هي إظهار النعمة للمُنعم عز وجل، فالله أنعم علينا، وطلب منا شكر هذه النعم، فكل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا تحتاج إلى شكره عز وجل عليها، فعن صهيب الرومي – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرا له». وقال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه: «إن النعمة موصولة بالشّكر، والشّكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشّكر من العبد».
وأشار فضيلته إلى أن للشكر أنواعا، منها: شكر بالقلب، وشكر باللسان، وشكر بالجوارح. فشكر القلب هو أن يقصد الخير ويضمره للخلق كافة، وشكر اللسان هو إظهار الشّكر لله بالتحميد، وشكر الجوارح هو استعمال نعم الله في طاعته، وتوقي الاستعانة بها على معصيته، فمن شكر العينين أن تستر كل عيب تراه لمسلم، ومن شكر الأذنين أن تستر كل عيب تسمعه لمسلم، فهذا يدخل في جملة شكر هذه الأعضاء. والشكر باللسان هو إظهار الرضا عن الله تعالى. والشكر مأمور به، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «التحدث بالنعم شكر، وتركها كفر». ومن هنا، فإن شكر النعم والإقرار بها للمنعم عز وجل واجب على كل مسلم، فنعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، قال تعالى في سورة النحل: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ». ومن أعظم نعم الله علينا أن جعل الإسلام لنا دينا فضلا منه سبحانه وإحسانا وتكرما وامتنانا، قال تعالى في سورة المائدة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا»، فالإسلام هو الدين الحق الذي اختاره الله لنا، قال سبحانه في سورة آل عمران: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَم».
وأكد وكيل الأزهر في محاضرته أن النعمة تثبت بشكر المنعم عز وجل، وقد وعدنا سبحانه قائلا: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»، وكفران النعم وجحودها واتخاذها مطيّة للعصيان والتمرد على أوامر الله ونواهيه، سبب لمحق البركات وسلْب النعم وتبديلها بالنقم ونزول البلايا والابتلاءات، قال تعالى: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ»، وقال تعالى: «وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ».
كما شدد فضيلة وكيل الأزهر على ضرورة وعينا نحن المسلمين بما يحاق للأمة من الداخل والخارج لزعزعة استقرارها وتخلفها عن الركب الحضاري والعلمي وإشغال المسلمين بعضهم ببعض، فالمحاولات الحثيثة من الخارج والتي تلقى تأييدا ورواجا في الداخل من بعض المفتونين بها من ذوي الحماس الأحمق هي في حقيقتها محاولة لزحزحة الأمة عن مصدر قوتها وتمكينها، وذلك بغرس قيم فاسدة من الإفراط والتفريط والغلو في الدين وتكفير المسلمين وسفك دماء بعضهم بعضا ونشر الفوضى وزعزعة الأمن والعبث بالإنسانية جمعاء، فضلا عن نشر الإلحاد والفاحشة والاستهانة بمحارم الله والمجاهرة بما يغضب عز وجل، وكل ذلك هدم للدين وصد للناسِ عنه وكفر بالنعم. لذا وجب على العقلاء والعلماء من أمتنا أن يأخذوا على أيدي السفهاء والمخربين، لأن الضرر إذا وقع نال الجميع.