كان صلى الله عليه وسلم متواضعا ، قريبا من الناس، يمشى بين أصحابه كواحد منهم ،ويجلس بينهم لا يكاد يعرف عنهم ، يدخل الغريبفيقول : أيكم محمد؟يضع يده فى يد رفيقه فى الطريق ، ويردف على ناقته هذا تارة ، وهذا تارة،يأكل معهم من إيناء واحد ،ويشرب معهم من كوب واحد ، بل كان يشرب بعد أن يشرب الناس ،إذا صافح مسلما لم ينزع يده من يده حتى ينزع صاحبه ، إذا طلب منه شىء أجاب ،ولم يقل لا،مهما شق عليه المطلب ،لقد كان الصحابة يتبركون بالماء الذى يلامس أصابعه صلى الله عليه وسلم ،فكانوا فى الفجر يبعثون بمائهم فى أوانيهم مع خدمهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليضع يده فى مائهم ، فما تذمر ، ولا تكبر على الخدم ، ولا رفض لهم مطلبهم ،بل لم يتأفف ، ولم يتضجر من برد الماء فى شدة الشتاء .
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء ، فما يؤتى بإناء إلا غمس يده فيها . فربما جاءه فى الغداة الباردة فيغمس يده فيها.
ولقد كانوا يتبركون بالاحتفاظ بشعره صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءه الحلاق أسرعوا إليه ، يحيطون به ، يتلقفون شعره قبل أن يسقط على الأرض ، ويحتفظون بما يلتقطون من شعره تبركا به فى بيوتهم .
عن أنس رضى الله عنه قال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه . وأطاف به أصحابه . فما يريدون أن تقع شعره إلا فى يد رجل .
والعجب أن توقفه امرأة فى الطريق تسأله ، فيقف دون مصاحبيه ويناديها بكنيتها ، ويستمع لها ، فتطلب منه أن تختلى به بعيدا عن مسامع أصحابه ، لتسر إليه بمسألتها ، فلا يختار المكان ، بل يطلب إليها أن تختار هى المكان الذى تحبه ، فيذهب معها إليه ،ويقف معها طويلا ، لايمل ، ولا يتضجر ، وهو يعلم أن فى عقلها ضعفا ، ومع ذلك يظل يتكلم معها فى حاجتها حتى تكتفى هى ، وتنصرف راضية شاكرة .
عن أنس رضى الله عنه ، أن امرأة كان فى عقلها شىء .فقالت : يا رسول الله ! إن لى إليك حاجة . فقال : ( يا أم فلان ، انظرى أى السكك شئت . حتى أقضى لك حاجتك ) فخلا معها فى بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها .
وصدق الله العظيم إذ يقول فيه : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴿١٢٨﴾التوبه.