آمن المصرى القديم بالخلود وبالحياة بعد الموت، لأنه تخيل أن بحلول الموت وهو مرحلة انتقاليه يفترق الجسد والروح مدة زمنيه محدودة ثم تعود الروح للجسد مرة أُخرى يوم الدفن لترشدها فى رحلة العالم السفلى ، ولاكن فى النهاية يبقي الجسد على الأرض بينما تكون الروح خالدة مخلدة فى السماء.
وهذا ما وضحته أحد نصوص الأهرام «إن الروح مستقرها السماء بينما الجسد للأرض» ، وكان التحنيط هو تطبيق هذه النظرية أى محاولة إيقاف عوامل ’المادة‘ ونعنى بها الجسد ، ومساعدة ’جوهر الحياة‘ فى المستقر السماوى ونعنى بها الروح.
وبسبب إيمان الفراعنة بالموت وبعودة الحياة وعودة الروح مرة أخرى إلى جسد المتوفى لذالك قاموا بالبحث عن طريقة تمكنهم من الحفاظ على أجساد الموتى وملامح وجههم حتى تتعرف الروح على الجسد وتتقمصه،ولذالك قام المصرى القديم بعملية التحنيط التى تعتبر إحدى المعجزات العلميه التى قدمها الفراعنة للبشرية جمعاء والتى تشهد عليها مومياوات للأن ، وبالتوغل فى كيفية عملية التحنيط فهى تتم كالأتى:
عندما كان يتسلم المحنطون جسد المتوفي فى ورشة التحنيط ، والتى كان يسميها القدماء (البيت الجميل) أو (بيت الطهارة) ، كانوا يقومون مباشرة بأداء خطوات التحنيط ، وهى عبارة عن خطوات منظمة ومدونة فى وثائق المصريين ، وقد تم التوصل إلى هذه الوثائق عن طريق بعض الفقرات الموجودة فى البرديات النادرة وأقوال بعض المؤرخين الكلاسيكين وفحص الموميوات المصرية ، وقد أمكن التوصل إلى كيفية أداء عملية التحنيط متمثلة فى الخطوات الأتية:
الخطوة الاولى: الغسل والتطهير.
في هذه الخطوة يقوم المحنطون بتنظيف الجسد من الأوساخ العالقة به، وذلك بوضعه في حوض الغسل الذي يتناسب مع طول المتوفي، وأحيانا يقوم اثنان من المحنطين بإيقاف الجسد في وضع طولي داخل الحوض، والهدف من الغسل بالماء وملح
النطرون هو معنوى وطقسي، وذلك تمثيل لما يحدث للشمس عند موتها وميلادها مرة أخرى، أي (البعث والنشور)، حيث أن الشمس عندما تغرب فهي في نظر المصريين قد
ماتت وتهبط إلى العالم السفلي وتتلون باللون الأسود، وعندما يحين موعد شروقها(ميلادها) كان عليها أن تتخلص من لونها الأسود بالإغتسال في مياه (الإبارو)
أي أن الغسل يساعد على البعث والولادة مرة أخرى.
الخطوة الثانية: نزع المخ والأحشاء
حيث:–توصل المحنط إلى أن أسباب تحلل الجسد تكمن في السوائل التي يحتويها، والمعروف أن الجسد يحتوي على 86 %ماء، وهناك العديد من البكتيريا التي تعيش وتحيا فى الماء، لذلك قام المحنط بامتصاص الماء ونزع الأحشاء ليجففها ونزع المخ وبعدها أعضاء البطن.
الخطوة الثالثة: وضع مواد الحشو حيث
كان المحنطون يضعون داخل الفراغين البطني والصدري، بعد إفراغ الأحشاء مواد الحشو، وذلك في مرحلتين ما قبل عملية التجفيف وما بعد عملية التجفيف، وقسمت مواد الحشو إلى نوعين:
1•مؤقتة:
كان يقصد بها فترة زمنية معينة تسبق تجفيف الجسد، حيث إن عملية التجفيف لو بدأت دون وجود مواد الحشو المؤقتة فهذا يعني أن جدار البطن المعلق في الهواء لن يكون أسفله شيء، مما يعرضه للتصدع والإنهيار عند لمسه بعد التجفيف مباشرة، كذلك الفراغان البطني والصدري لن يتم تجفيفهما بسرعة ملائمة لنفس التجفيف الخارجي للجسد، مما إستلزم وجود مواد الحشو المؤقتة والتي تنزع مباشرة بعد انتهاء زمن التجفيف.
2•الدائمة:حيث تبقى في الجسد للأبد ولا تنزع منه لأنها تعطي له خصائص الجسم عندما كان
صاحبه حياً، بالإضافة إلى أن هذه المواد تساعد على قتل البكتريا التى تتسرب إلى الجسد.
الخطوة الرابعة:- التجفيف.
حيث تعتبر عملية التجفيف من النقاط الرئيسة في حفظ الأجساد لأن الهدف منها هو التخلص من ثلثي وزن الجسم (68)%وهو ماء بالإضافة إلى البقايا الموجودة داخل الجسد من الأطعمة التي تناولها المتوفي،
وفي هذه الخطوة يلقى المحنطون كميات كبيرة من ملح النطرون فوق الجسد لمدة أربعين يوم، وذلك قصد التجفيف وليس التحنيط، بعد الإنتهاء من مدة التجفيف المخصصة للجسد يقوم المحنط بإزالة ملح النطرون الذي تكدس نتيجة تشبعه بالمياه وسوائل الجسد،
وعندما يكتشف المحنط حدوث تغيرات في الجسد المحنط،
كان يعالجيا في الخطوة التالية (مرحلة صب الزيوت والدهون).
الخطوة الخامسة:- مرحلة صب الزيوت والدهون.
ويعالج المحنط في هذه الخطوة كافة التغيرات الجسدية التي حدثت بعد التجفيف، مثل لون الجسد الذي تحول إلى البني الغامق وذلك من أثر التفاعل بين ملح النطرون وأنسجة الجلد، مما أدى إلى احتراقه، وتفتح مسامات الجلد بعد امتصاص المياه وانكماش الدهون أسفل الجلد بالإضافة إلى صلابة الجلد وكانت المواد المعالجة هي الزيوت والدهون التي أوضحت أهميتها بعض النصوص القليلة والمناظر النادرة، بالإضافة إلى البرديات التي دونت فى العصور المتأخرة.
الخطوة السادسة والأخيرة:- التكفين .
بعد أن توضع اللمسات الجمالية على المومياء مثل صبغ الوجه ووضع الباروكات والصنادل والحلى يقوم الكاهن الذي يسمى “سشمو” بوضع الكتان ولف الجسد بالأكفان وذلك في مدة أسبوعين، ويصاحب كل لفه يلفها الكاهن قراءة تعويذه من كتاب الموتى وتهدف مرحلة التكفين إلى توفير حماية إضافية للجسد بعد معالجته طبياً حتى تمنع عوامل التحلل من الإقتراب من الجسد لأن المحنط المصرى وضع فى ذهنه أن المعالجة الطبية وحدها لا تكفي بل لابد من توفير وسائل حماية أخرى مثل التكفين والتمائم(الأحجبة)والتابوت ، وقد صورت بعض مقابر الدولة الحديثة الموجودة في البر الغربي للأقصر مراحل التكفين، مثل قيام أحد الكهنة بلف أحد المومياوات بالكتان ويساعده آخر وفوقهما الصناديق التي تحوي هذه اللفائف والأواني التي تضم ’الراتنج الصبغي‘ الذي يستخدم في لصق لفائف الكتان وطبقاته ، وتنتهي خطوات التحنيط بوضع القناع على وجه المتوفي بعدها يقوم المشرف على المحنطين بقراءة التلاوات والتعاويذ من كتاب الموتى،
حيث يلمس فيها الكاهن الأعظم فم المومياء ويقول : ’’ أنت الأن ترى بعينك، وتسمع بأذنيك، وتفتح فمك لتتكلم وتأكل وتحرك زراعيك وساقيك ، أنت تحيا ، أنت الأن حى ، وعدت صغيراً مره أخرى ، وستعيش إلى الأبد ‘‘.