تطورات مرتبطة بوضع “المرتزقة” في ليبيا شهدتها الساعات الأربع والعشرون الماضية أهمها الكشف عن معلومات مرتبطة ببدء انسحابهم خلال الأيام المقبلة، بعد أن تم تجميعهم في معسكر واحد غربي طرابلس، تمهيداً لترحيلهم إلى مدينة عفرين السورية.
وبموازاة ذلك، تجددت الدعوات الأوروبية أيضاً بضرورة انسحاب المرتزقة، وطالبت بعثة الأمم المتحدة وأطراف دولية، الدول الأعضاء بالأمم المتحدة بضرورة الالتزام بتعهداتها خلال مؤتمر برلين، بما في ذلك انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية.
جاء ذلك في ختام زيارة المبعوث الدولي إلى ليبيا يان كوبيش، إلى العاصمة الألمانية برلين.
واعتبر سياسيون ليبيون أن ما تردد خلال الساعات الأخيرة بشأن خطوات عملية مرتقبة لترحيل المرتزقة الموجودين على الأراضي الليبية بمثابة “بوابة الاستقرار الأولى”، وبما يفتح الطريق أيضاً أمام تفكيك الميليشيات المحلية، الأمر الذي من شأنه إزالة أحد أبرز العوائق والتحديات التي تقف أمام حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة.
وينظر مراقبون إلى تلك الخطوة على اعتبار أنها إن تمت بشكل عملي فهي ناتجة بالأساس عن الضغط الدولي لإنجاح المسار السياسي في ليبيا بعد تشكيل الحكومة الجديدة، ولتمهيد الطريق لإجراء الانتخابات في شهر ديسمبر المقبل. كما تأتي ضمن جملة المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي كان من بين أهم محطاتها نذر التقارب بين القاهرة وأنقرة، والرسائل التركية الهادفة لتطبيع العلاقات مع مصر.
وتخطو ليبيا خطوات ثابتة نحو استعادة الاستقرار الداخلي. وفي العاشر من شهر مارس الجاري، منح البرلمان الليبي الثقة لحكومة دبيبة المنبثقة عن ملتقى الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة، والتي من المنتظر أن تعمل على تسيير الأعمال وتمهيد الطريق حتى إجراء الانتخابات في نهاية العام الجاري. وتواجه الحكومة جملة من التحديات المفصلية، تأتي في مقدمتها الملفات الأمنية، ومسألة المرتزقة، وكذلك الميليشيات المحلية.
ويعلق السياسي الليبي أحمد الصويعي، على تلك الأنباء الخاصة بترحيل المرتزقة بقوله: “إن خروج المرتزقة من ليبيا يمثل تحدياً كبيراً، وبلا شك سوف يحد من النفوذ التركي والروسي الذي أخذ في التنامي خلال الفترة الأخيرة، ويوطد الاستقرار والسلام في الوطن”.
ويشير إلى أن “ليبيا ذات الموارد الضخمة تعتبر مطمعاً للدول الإقليمية والكبرى ما لم تخرج الدولة من حالة الهشاشة التي تعاني منها منذ عشر سنوات”.
ويرى الصويعي أن “الخطر التركي سيظل قائماً إلى حين فك الارتباط به بشكل كلي.. ولدى الحكومة التركية أطماع تريد حملها معهم كمكاسب في انتخابات الرئاسة التركية 2023 لدغدغة مشاعر الناخب التركي على حساب الشعب الليبي الذي تجرع ويلات الحروب وعدم الاستقرار”.
ويختتم السياسي الليبي بقوله إن “طرد المرتزقة جميعهم دون استثناء من أولويات الحكومة الجديدة التي تحتاج بعض الوقت للحكم على نتائج عملها”.
ويصل عدد المرتزقة السوريين الذين لا يزالون متواجدين على الأراضي الليبية حتى الآن ممن دفعت بهم أنقرة للقتال في ليبيا، إلى حوالي 6750 مرتزقاً، طبقاً لأحدث البيانات الإحصائية الصادرة عن المرصد السوري، في 13 مارس الجاري.
وإلى ذلك، يشير الكاتب والمحلل السياسي الليبي فايز العريبي، إلى أن “هناك ضغوط من المجتمع الدولي، الذي تبنى خريطة الطريق وقدم الدعم لها من خلال البعثة الدولية وما قامت به البعثة من حوار في تونس أو في جنيف، وأعتقد بأن هذا الدور لن يتكلل إلا بخروج المرتزقة السوريين من ليبيا”.
ويلفت أيضاً إلى تأثير “ما بدا من ملامح ومؤشرات لتقارب مصري تركي”، معتبراً أن “هناك ملامح لتفاهمات في كثير من الملفات في المنطقة، ومن ضمنها الملف الليبي”.
ويعتقد العريبي بأن “خروج المرتزقة من ليبيا مؤشر إيجابي، ويساعد الأطراف المحلية على مزيد من التفاهمات، وكذلك يمكن أية سلطة وطنية من بسط سيادتها المجتمع الدولي هو في حقيقة الأمر جاد في خارطة الطريق السياسية التي رسمت في تونس وجنيف والتي ستفضي إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في شهر ديسمبر المقبل”. كما يعتبر أن “خروج المرتزقة هو مطلب وطني، وبالتأكيد سيكون عاملاً مساعداً ومهم جداً في مسألة التمهيد أيضا لتفكيك باقي الميليشيات المحلية”.
لكن بموازاة تلك النظرة التفاؤلية بأثر خروج المرتزقة على الأمن والاستقرار في ليبيا، فقد حذر تقرير صادر قبل أسبوع، عن مؤسسة ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان، على هامش فعاليات الدورة 46 لمجلس حقوق الإنسان، من معضلة شغل مرتزقة لمناصب قيادية في ليبيا، بعد تجنيسهم.
وذكر التقرير أن “معضلة المرتزقة هي إحدى أكبر المعضلات التي ألقت بظلالها على الأزمة الليبية الدائرة رحاها منذ أكثر من 10 سنوات، بل وتعتبر احدى مسببات طول امد الصراع”.
وعدّدَ التقرير أوجه تمكين “المرتزقة” بمراكز قيادية على أيدي حكومة الوفاق، ومن بين تلك الأوجه عميلات التجنيس التي تمت لعدد من المرتزقة الأجانب، بما يمهد الطريق ليكونوا جزءاً من مستقبل العملية السياسية في ليبيا”.