لما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم سليمان فى الأنبياء قالت اليهود إن محمد يزعم أن سليمان نبى وما هو بنبى ولكنه ساحر .
قال الله تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴿١٠٢﴾
وسليمان هو النبى سليمان بن داود بن يسى من سبط يهوذا ولد سنة 1032قبل المسيح وتوفى فى أورشليم سنة 975قبل المسيح وولى ملك إسرائيل سنة 1014قبل المسيح بعد وفاة أبيه داود النبى ملك إسرائيل ، وعظم ملك بنى إسرائيل فى مدته وهو الذى أمر ببناء مسجد بيت المقدس وكان نبيا حكيما شاعرا وجعل لمملكته أسطولا بحريا عظيما كانت تمخر سفنه البحار إلى جهات قاصية مثل شرق إفريقيا .وعن ابن إسحاق : أنه لما مات سليمان عليه السلام عمدت الشياطين فكتبوا أصنافا من السحر وقالوا من أحب أن يبلغ كذا وكذا فليفعل كذا لأصناف من السحر وختموه بخاتم يشبه نقش خاتم سليمان ونسبوه إليه ودفنوه وزعموا أن سليمان دفنه وأنهم يعلمون مدفنه ودلوا الناس على ذلك الموضع فأخرجوه فقالت اليهود ماكان سليمان إلا ساحرا وما تم له الملك إلا بهذا .
وقيل كان آصف ابن برخيا كاتب سليمان يكتب الحكمة بأمر سليمان ويدفن كتبه تحت كرسى سليمان لتجدها الأجيال فلما مات سليمان أغرت الشياطين الناس على إخراج تلك الكتب وزادوا فى خلال سطورها سحرا وكفرا ونسبوا الجميع لسليمان فقالت اليهود كفر سليمان .
والمراد من الأية مع سبب نزولها إن نزلت عن سبب أن سليمان عليه السلام لما مات انقسمت مملكة إسرائيل بعده بقليل إلى مملكتين إحداهما مملكة يهوذا وملكها رحبعام ابن سليمان جعلوه ملكا بعد أبيه وكانت بنو إسرائيل قد سئمت ملك سليمان لحمله إياهم على ما يخالف هواهم فجاءت أعيانهم وفى مقدمتهم يربعام بن نباط مولى سليمان ليكلموا رحبهام قائلين إن أباك قاس علينا وأما أنت فخفف عنا من عبودية أبيك لنطيعك فأجابهم إذهبوا ثم ارجعوا إلى بعد ثلاثة أيام واستشار رحبعام أصحاب أبيه ووزراءه فأشاروا عليه بملاينة الأمة لتطيعه.
واستشار أصحابه من الفتيان فأشاروا عليه أن يقول للأمة أن خنصرى أغلظ من متن أبى فإذا كان أبى قد أدبكم بالسياط فأنا أؤدبكم بالعقارب فلما رجع إليه شيوخ بنى إسرائيل فى اليوم الثالث وأجابهم بما أشار به الأحداث فخلعت بنو إسرائيل طاعته وملكوا عليهم يربعام ولم يبق على طاعة رحبعام إلا( سبطايهوذ) و
و(بنيامن) واعتصم رحبعام بأرشليم وكل أمته لا تزيد على مائة وثمانين ألف محارب يعنى رجالا قادرين على حمل السلاح وانقسمت المملكه من يومئذ إلى مملكتين مملكة يهوذا وقاعدتها أورشليم .
ومملكة إسرائيل ومقرها السامرة .وذلك سنة 975قبل المسيح ولايخفى ما تكون عليه حالة أمة فى هذا الانتقال فإن خصوم رحبهام لما سلبوا منه القوة المادية لم يغفلوا عما يعتضد به من القوةالأدبية وهى كونه ابن سليمان بن داود من بيت الملك والنبوءة والسمعة الحسنة فلم يأل أعداؤه جهدهم من إسقاط هاته القوة الأدبية وذلك بأن اجتمع مدبروا الأمر على أن يضعوا أكاذيب عن سليمان يبثونها فى العامة ليقضوا بها وطرين أحدهما نسبة سليمان إلى السحر والكفر لتنقيص سمعة ابنه رحبعام كما صنع دعاة الدولة العباسية فيما وضعوه من الأخبار عن بنى أمبة والثانى تشجيع العامة الذين كانوا يستعظمون ملك سليمان وابنه على الخروج عن طاعتة ابنه بأن سليمان ماتم له الملك إلا بتلك الأسحار والطلاسم وأنهم لما ظفروا بها فإنهم يستطيعون أن يؤسسوا ملكا يماثل ملك سليمان كما صنع دعاة انقلاب الدول فى تاريخ الإسلام من وضع أحاديث انتظار المهدى وكما يفعلونه من بث أخبار عن الصالحين تؤذن بقرب زوال الدولة . ولا يخفى ما تثيره هذه الأوهام فى نفوس العامة من الجزم بنجاح السعى وجعلهم فى مأمن من خيبة أعمالهم ولحاق التنكيل بهم فإذا قضى الوطر بذلك الخبر التصق أثره فى الناس فيبقى ضر ضلاله بعداجتناء ثماره .
وللحديث بقية بإذن الله تعالى………………………………………………)