كتب محمد الألفي
ناقشت ورشات العمل لمؤتمر الشبكة الدولية للحقوق والتنمية في جنيف قضايا “الإرهاب ووسائل الاعلام”، و”جدارة القانون الدولي”، و “الاقتصاد وعمليات مكافحة الإرهاب”، وبدأت اليوم (الثلاثاء) مناقشة مسألتي “التحديات الراهنة في مكافحة الإرهاب” و “الإرهاب والأخلاق”.
وقدم المتحدثون في ورشة العمل الخامسة تحليلاً شاملاً لتغطيات وسائل الإعلام للإرهاب، والعلاقة القائمة بين الدور الذي يلعبه الاعلام في تغطية ومنع وحتى في انتاج الإرهاب. ونوهوا بأن وسائل الإعلام الحديثة، وخصوصاً في فرنسا، كثيراً ما تميل إلى التهويل في تغطياتها للإرهاب، وتسعى لاستخدام الهجمات الإرهابية لتعزيز توزيعها، في حين ترفض الحقائق والمعلومات.
ورأى الدكتور هيثم منّاع، رئيس ومؤسس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان الذي أدار الجلسة، أن كلاً من الدول والجماعات الإرهابية مذنبة في التلاعب بالمعلومات، الأمر الذي يستوجب الحذر من احتمال اخضاع المنظمات غير الحكومية لسيطرة الأنظمة الديكتاتورية.
وقالت السيدة ماريا بانون، رئيسة قسم العلاقات العامة في الشبكة الدولية للحقوق والتنمية فرع اسبانيا، في مداخلتها إن الإرهاب والدعاية يجب أن يخضعا للسيطرة، وأن تكون جميع تدابير مكافحة الإرهاب متوازنة وتستند إلى معلومات جديدة ودقيقة.
وشددت السيدة بانون على ضرورة تمييز ما وصفتها بـ “صحافة الإرهاب” عن الصحافة الجنائية، مسلطة الضوء على أهمية الإعتراف بالدور الذي تلعبه وسائل الاعلام الاجتماعية الجديدة والمستخدمة من قبل المنظمات الارهابية.
وتحدثت الصحافية الاستقصائية، السيدة ليزلي فارين، عن لجوء وسائل الإعلام الحديثة وخصوصاً في فرنسا، للتهويل في تغطياتها للإرهاب بهدف تعزيز توزيعها، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام لم تعد تستثمر كما ينبغي في الصحافة الاستقصائية، وزادت من اعتمادها على الصحافيين الذين يعملون لحسابهم الخاص وضمن عقود قصيرة الأجل، والذين غالباً ما يفتقدون للتدريب ويخشون من توجيه الأسئلة المناسبة في البلدان الأجنبية.
واشار السيد ماجد نعمة، مدير تحرير مجلة “أفريك أزي”، إلى أن وسائل الاعلام لا تزال خاضعة لسيطرة الدول والجهات الثرية المانحة في العديد من دول الشرق الأوسط، الأمر الذي يمنعها من ايصال المعلومات اللازمة إلى الجمهور. كما تحدث عن لجوء وسائل الإعلام في بعض الأحيان إلى اطالة أمد الحروب والأنشطة الإرهابية.
ونوه السيد نعمة بأن الزيادة في استخدم وسائل الإعلام الاجتماعية، تخاطر في تركيز الإنتباه إلى هذه الأنشطة من قبل الجهات المختصة.
ومن جانبه، أشار الصحافي الفرنسي ورئيس تحرير مجلة الدفاع، ريتشارد لابيفيير، إلى تراجع وسائل الاعلام ولجوئها إلى أساليب التلاعب لتحقيق أقصى قدر من الأرباح، وتحولها بالتالي إلى ما أسماها “أسلحة للاتصال الشامل”.
وقال لابيفيير إن الحملات الاعلامية الدعائية هي في الكثير من الأحيان غير صحيحة وبشكل لا يُصدّق، مستشهداً بالفظائع التي وقعت في الجزائر خلال أوائل عام 1990، وتعامل وسائل الاعلام معها بالتضليل واللامبالاة.
وركّز، ألستير بانكول، محرر شؤون الدفاع في القناة التلفزيونية البريطانية (سكاي نيوز) في مداخلته على العوامل المتغيرة في ما يسمى “الدولة الاسلامية”، وقدرتها على نشر العنف من خلال منصات وسائل الاعلام الاجتماعية.
وشدد بانكول على ضرورة أن تتخذ وسائل الاعلام قرارات صعبة، وتحديداً كيفية تغطية القضايا الحساسة للممارسات المروعة من العنف، مع الأخذ بالاعتبار الأهداف التي يريدها هذا التنظيم الإرهابي من وراء بث مقاطع فيديو عن مثل هذه الممارسات، داعياً وسائل الاعلام إلى استخدام قدرتها التقديرية عند الاختيار بين ما هو خبر وما هو دعاية.
ولاحظ الصحافي هارولد هايمان، من القناة التلفزيونية (بي إف إم)، أن وسائل الاعلام اليوم هي في عصر يملي عليها الافتراض بأن الهجمات هي عمل الجهاديين، مشيراً إلى أن الصحافيين يعملون عن كثب مع الشرطة، ويتمكنون في بعض الأحيان من الإنخراط على نحو وثيق مع عملياتها، مشدداً على ضرورة أن يكون هناك حدود للتغطية الاعلامية.
وتناولت ورشة العمل السادسة باسهاب مسألة “جدارة القانون الدولي”، وتم خلالها اثارة العديد من التساؤلات حول كفاءات الآليات الدولية، والتشديد على ضرورة موازنة عمليات مكافحة الإرهاب باحترام حقوق الإنسان.
ورأى حسين موسويان، الباحث في جامعة برينستون، إن التحدي الذي يواجهه المواطنون العاديون في المجتمع المدني ذو شقين ومعقد، ويحق لهم التمتع بالأمن والشعور بالقلق من تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان وهدر الموارد البشرية، وممارسة حرياتهم المدنية وحقوقهم.
ولفت موسويان إلى أن هناك القليل من الشك في أن الدول ملزمة بتنفيذ التشريعات المعتمدة بصورة قانونية، وأن التحدي يتمثل في كيفية ضمان احترام هذه القوانين، مشيراً إلى أن معتقل غوانتانامو ساهم في توسيع الفجوة بين الرأي الرسمي باسم مكافحة الإرهاب وبين حقوق الإنسان وتعاريفها والمحامين من جهة أخرى، وإلى الصعوبة الحقيقية والحاجة إلى تحقيق التوازن وحماية حقوق الإنسان لنزلاء السجون.
وقال إن الإرهابين يخلقون حالات معينة يصعب فيها حماية حقوقهم الإنسانية، ويتركز السؤال الآن حول كيفية القتال وكيفية ايجاد تعريف جديد للسلام وحتى بالوسائل العسكرية، وتجنب الأضرار الجانبية على الشعب الأعزل في المناطق المستهدفة، مشيراً إلى أن الحاجة لاقامة التوازن المطلوب قد تفقد زخمها عندما يكون الهدف عسكرياً ويضع حياة الإنسان على المحك.
ورأت جولين فورد، الباحثة في تشاتم هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية) في لندن، أن معظم الناس في افريقيا ومنذ العام 2001، لم يدركوا أن الإرهاب يشكل تهديداً كما اعتبره البعض الآخر. وكان هناك تصور بأن ما يحدث في بلادهم هو أجندة خارجية، وأن التدابير المضادة لم يتم اتخاذها لحمايتها، ولكن لتأمين الدول الغربية.
وقال جورج إستيفينارت، المدير الفخري للمرصد الأوروبي لمكافحة المخدرات والإدمان، أن أوروبا تعيش فترة مراجعة واستيعاب بعد الأحداث الارهابية الدامية في فرنسا والدنمارك، وتعمل على تشديد الإجراءات على حدودها، في حين يسعى الاتحاد الأوروبي لاعتماد تدابير لمواجهة مثل هذه التهديدات. وهناك شركاء خارج الأمم المتحدة، غير أن هذه الشراكة لا تزال تخضع للبناء.
واضاف إستيفينارت إن الإرهاب لا يزال يشكل مسألة معقدة لأن الإتحاد الأوروبي لم يعتد على الاطلاق على علاج مثل هذه القضايا، ويواجه الآن ضرورة تملي عليه انشاء آليات فعالة لمواجهتها.
وقدمت ورشة العمل السابعة تحليلاً وافياً للتشريعات المحلية والدولية والمضاعفات الاقتصادية المترتبة على عمليات مكافحة الإرهاب، ودور الاقتصاد في ضمان السلامة للجميع من تهديد الإرهاب العالمي، ولمستوى المعرفة حول السلاسل السببية بين الأمن والاقتصاد.
ورأى مدير مركز المحيط الهادئ للتعليم المهني، جون مادينغر، أن الحديث عن مصادرة الأصول المدنية اليوم اصبح أداة قيّمة يمكن استخدامها لحرمان الإرهابيين من أصولهم والاستيلاء عليها، موضحاً أن العقاب عن طريق مصادرة الأصول يحرّم الإرهابيين من وسائل ارتكاب الجرائم في المستقبل.
وقال مادينغر إن الاقتصاد يلعب دوراً في ضمان السلامة للجميع من التهديد العالمي للإرهاب، وهناك حاجة ملحة لمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب والاتفاق على تعريفها، والقيام برد صلب وشامل لعرقلة وصول الجماعات الإرهابية والمتطرفة إلى الموارد المالية، ومكافحة قدراتها على اعاقة التنمية الاقتصادية والسياسية في البلدان التي تنشط على أراضيها.
ومن جانبه، شد الأمين العام للسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (كوميسا)، سينديسو نغوينيا، على ضرورة تعزيز القدرات لمنع غسيل الأموال، الذي اعتبره المصدر الرئيسي لتمويل الأفراد والجماعات الإرهابية، وتعزيز الإرادة السياسية لمكافحة التهديد العالمي للإرهاب.
أما محمد كالينسو، مستشار منظمة التعاون الاسلامي، فقد حثّ جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ليس فقط على التصديق واعتماد قرارات الأمم الحالية ولكن على تنفيذها أيضاً، لافتاً إلى وجود ثغرات خطيرة بين اتخاذ القرار وتنفيذه في التشريعات الوطنية.
ودعا كالينسو الدول إلى تبني استراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب تحترم حقوق الإنسان وتحظر التنميط العنصري والعرقي.