للأسف حتى الآن لم تنشر ميزانية الصحة على موقع وزارة الصحة، كما لم ترسل ميزانية الصحة لنقابة الأطباء رغم مطالبة النقابة لوزارة الصحة رسميا بإطلاع النقابة وعموم المواطنين على ميزانية الصحة تبعا لمبدأ علانية المعلومات الذي أقره الدستور، لذلك فالمعلومات التي ستنشر هنا عن ميزانية الصحة مأخوذه من البيان المالي المنشور على موقع وزارة المالية، وقد نشر منذ حوالي أسبوعين، أي بعد بدء العام المالي الجديد بأسبوعين، وهذا معناه بإختصار “نسف” حق المجتمع الذي ينص عليه الدستور في مناقشة الميزانية وإبداء الرأي أو المطالبة بأي تعديلات قبل إقرارها، حيث أنها نشرت بعد بدء تطبيقها بأسبوعين.عموما يتكرر كثيرا خلال البيان المالي الذي يقع في 168 صفحة الكلام عن زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي، إلتزاما بالإستحقاقات الدستورية، ولكن عندما نأتي للتفاصيل تصدمنا العديد من الحقائق
أولا :- (من جدول 5 صفحة 35) الإنفاق على الصحة كان في العام المالي الماضي 33.5 مليار جنيه من إجمالي الناتج القومي 2033 مليار جنيه، بنسبة 1.65% من الناتج القومي، وفي العام المالي الحالي أصبح 42.4 مليار جنيه من إجمالي الناتج القومي 2403 مليار جنيه، بنسبة 1.75% من الناتج القومي
أي أن الزيادة في نسبة الإنفاق الصحي بلغت 0.1% من الناتج القومي، في حين أن الإستحقاق الدستوري يتطلب زيادتها إلى 3% من الناتج القومي خلال 3 سنوات، وهذا يتطلب زيادة حوالي 0.5 % من الناتج القومي سنويا وليس 0.1%، ولكن يظل هناك زيادة في ميزانية الصحة حوالي 9 مليار جنيه، فأين ذهبت هذه الزيادة ؟؟؟ وهل شعر المواطن بأي تحسن في الخدمات الصحية المقدمة ؟؟؟ هل شعر أي مريض بتحسن في توافر الأدوية ومستلزمات العلاج المستشفيات ؟؟؟
الحقيقة أن المنشور في جدول 12 صفحة 82 يوضح أن الميزانية المخصصة لدعم الأدوية وألبان الأطفال إنخفضت في العام المالي الحالي إلى 300 مليون جنيه بدلا من 655 مليون جنيه في العام المالي الماضي .
كما إنخفض دعم التأمين الصحي الشامل في العام المالي الحالي إلى صفر بدلا من 1500 مليون جنيه في العام المالي السابق، أما دعم التأمين الصحي على الطلاب والأطفال دون سن المدرسة والمرأة المعيلة فقد إنخفض من 520 مليون جنيه في العام المالي الماضي إلى 511 مليون جنيه في العام المالي الحالي، وإذا ما أدخلنا في حسابنا نسبة التضخم التي يحددها البيان المالي بـ 10%، أدركنا حجم الكارثة التي يتعرض لها التأمين الصحي، رغم “الطنطنة” المستمرة حول هدف الحكومة لتوسيع مظلة التأمين الصحي ونص مادة الصحة في الدستور على حق المواطن في تأمين صحي شامل !!!!
أيضا يؤكد المنشور في صفحة 73 أن مخصصات شراء الأدوية والأمصال والطعوم كانت في العام المالي السابق 3.395 مليون جنيه، لتصبح 3.397 مليون جنيه، ومع حساب نسبة التضخم يتضح أنها إنخفضت بحوالي 10%.
هنا ينفتح أمامنا تساؤل كبير، أين ذهبت الزيادة في ميزانية الصحة ؟؟؟
أعتقد أن الإجابة الجاهزة التي سيحاول المسئولون ترويجها هي أن هذه النسبة ذهبت لزيادة أجور الأطباء وأعضاء الفريق الطبي التي أقرت في قانون “14”،و لكني أؤكد أن إجمالي تكلفة تطبيق قانون “14” لجميع أعضاء الفريق الطبي لن تتجاوز 2 مليار جنيه، ناهيك عن إن القانون مازال غير مطبق أو غير مطبق بالكامل حتى الآن في العديد من القطاعات مثل أطباء الرعاية الأساسية (أطباء الريف) والطوارئ والمناطق النائية ومستشفيات أمانة المراكز المتخصصة.
بإختصار ..هناك بالفعل زيادة في ميزانية الصحة، ولكن هذه الزيادة أقل بكثير من النسبة المطلوبة لتنفيذ الإستحقاقات الدستورية، والأهم من ذلك أننا لا نعلم أين ذهبت هذه الزيادة، حيث أن كل القطاعات الحيوية المطلوب دعمها من ميزانية الدولة مثل شراء الأدوية والأمصال والألبان وتنمية التأمين الصحي قد تم تقليصها مع وجود زيادة طفيفة في أجور أعضاء الفريق الطبي.
كل ما سبق يؤكد أن المواطن المصري لن يستفيد من أي زيادة لميزانية الصحة دون وجود أليات تضمن الشفافية وعلانية بنود إنفاق الميزانية والرقابة الشعبية عليها، لذلك فأنا أطالب وزارة الصحة بالإعلان الفورى على موقعها عن تفاصيل ميزانية الصحة، وعقد ندوة مفتوحة لمناقشة تفاصيل ميزانية الصحة بعد إعلانها للإجابة على إستفسارات كافة المهتمين بالشأن الصحي وإيضاح الحقيقة للمواطن المصري صاحب الحق وصاحب المصلحة في زيادة الإنفاق على الخدمات الصحية.